كانت أحلى أيام حياتنا، تلك الأيام التي قضيناها في ساحات وميادين الثورة ولازالت عالقة في أذهان الكثير منا ومرتبطة بالذاكرة الجمعية للثورة وأرشيفها المخلد في ذاكرتنا، خصوصاً تلك الأيام التي قضيناها في الأشهر الأولى للثورة ومع ذلك لابد من يذهب الوقت بحلوه ومره وكل ما فيه من ذكريات وأحداث..
ومع مرور أكثر من عامين من انطلاق الثورة ونصب الخيام الأولى مرت الثورة بمسارات متعددة ومختلفة من حين لآخر وتحقق بعض من أهدافها وكان أبرزها سقوط رأس النظام السابق في الـ21من فبراير 2012م ومع سقوطه بدت رموز عائلته تتساقط تباعاً وواحداً تلو الآخر وكان المشهد المدوي لسقوط أبرز رموز العائلة إزاحة النجل الأكبر لصالح وقائد الحرس الجمهوري سابقا في الـ10 من أبريل الجاري وبدت أمام الثورة تحديات وأطوار جديدة تختلف عن الفترة الماضية، وكان إعلان اللجنة التنظيمية للثورة بتعليق الاعتصامات والجمع الثورية بمثابة اسدال الستار عن المشهد الثوري الأبرز وإعلان للانتقال إلى مرحلة جديدة مختلفة، وكان القرار صائباً وفي وقت حساس من مسار الحوار الوطني رغم تأخر القرار والذي كان برأيي لابد وأن يعلن عنه عقب انتخابات 21فبراير 2012م ومع تأخره الذي أضر بسمعة ومهابة الساحات الثورية وجدواها الثورية في التأثير على مسار الأحداث الكبيرة داخل الوطن، فلقد أنقذ القرار ساحات وميادين الثورة من مآلها الذي كان يدمي القلب حينما ننظر إليها كيف صارت وكيف كانت يوماً ما، ورغم ايماني بضرورة أن ننتقل من مرحلة العمل الثوري في الساحات والشوارع العامة إلى ساحات العمل الوطني في المؤسسات وقبل ذلك في ساحات أنفسنا لنختبرها من جديد ونطهر ما علق بها من دنس ماضوي وننتصر على أنفسنا بالتغيير الذاتي الإيجابي حتى ينعكس تغيير الأنفس على مستوى الأداء في أماكن أعمالنا العامة والخاصة، رغم كل ما سبق والحاجة لطي مرحلة ثورية ستظل منارة من منارات اليمن الحديث ومحل فخر واعتزاز لكل يمني سواء كان مع الثورة أو لم يكن معها, فلقد أحدثت ثورة الشباب تغييراً كبيراً عن الصورة النمطية والسلبية المرسومة عن المواطن اليمني لدى الآخرين، فلقد كان يوم الجمعة الماضية من أصعب أيامي الثورية على الإطلاق ويوماً مشهوداً لم ولن أنساه وأنا أنظر إلى الكثير من رفاق الدرب والثورة والنضال وأعينهم تكاد تذرف من الدمع, بل كانت أعين البعض مليئة بالدمع الذي كان عنواناً بارزاً وسمة من سمات شباب الثورة, خصوصاً ممن كان معنا منذ بواكير الثورة وانطلاقتها في فبراير 2011م وكانت تستحضر ذاكرتي شيئاً من الإحساس الذي أجده أثناء مفارقتي لشهر رمضان الكريم..
ومع أن فترة الثورة لم تكن قصيرة لو حسبناها بالمدة الزمنية والشهور والأيام لكنها مضت بأسرع مما كنا نتوقع وكأنها بضعة أيام رغم ما عانينا من شدة وخوف وما لاقيناه من رصاص وترهيب وما عاناه الشعب برمته من الآم نتيجة خروجه بثورة تتوق للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فقد مضت سريعاً مع ايقاعاتها المختلفة وكان لزاماً أن نغادر الساحات وما أصعبها من لحظات وأقصاها, فقد شربنا هنا وجلسنا هنا وصلينا هناك وضحكنا وبكينا وأصيب البعض منا هنا وهناك ذكريات مختلفة ستبقى خالدة ما حيينا ولقد فارقنا تلك المعالم الثورية وقلوبنا يقطعها الأسى والحزن من ألم الفراق والوداع..
المهم أننا نكون على قدر المسئولية القادمة وننتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة ومن ثم إلى مرحلة التحول الديمقراطي الصحيح حتى نستطيع أن ننعم ببركات الدولة المدنية الحديثة، وعلى شباب الثورة مسئولية كبرى في الوفاء للشهداء والجرحى, فمرحلة البناء أصعب وأكبر من مرحلة الهدم, فلقد ولى زمن الهتافات وأتت ساعات العمل والعمل الجاد.
محمود الحمزي
ضرورة الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة 1527