يصف الكواكبي المتمجد المستبد فيقول " المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كأنه كان إنساناً فصار إلهاً وأنه ما نال ما نال إلا بواسطة من حوله من الأعوان ، قد يجعله الريش في رأسه طاووساً وهو غُراب ".
في بلاد العرب فقط نجد صور الزعماء في كل مكان, نجدها في الطرقات و المنازل والمدارس والجامعات والمؤسسات ، في بلاد العرب فقط تطبع الملايين من صور الزعماء لهدف واحد هو تمجيد القائد وإقناع الجماهير بأنه القائد الملهم القادر على كل شيء, في بلاد العرب فقط تُصرف الملايين من ثروات الشعوب من أجل تمجيد الطغاة والمستبدين ، كان من الأحرى أن تُسخر ثروات الشعوب لخدمة الشعوب نفسها لا لخدمة القائد.
من هذا المنطلق ظن الطغاة العرب بأنهم وصلوا إلى المجد وكم كانوا حمقى عندما ظنوا بهذا الظن ، فثورات الربيع وصحوة الشعوب العربية قد أطاحت بهَوس الحُكام ببلوغ المجد ، أعتقد بأنهم قد كانوا يسعون إلى التمجد وليس المجد ، فالمجد هو الوصول إلى الغاية بالصبر والعمل وخدمة الإنسان، أما التمجد هو الوصول إلى الغاية بالنفاق والتحايل وسرقة ثروات الشعوب, والمجد أيضاً تنحني له هامات العلماء والصالحين، أما التمجد فهو صفةً تستمد من كل قد باع نفسه من أجل شخص المتمجد وسخر قلمه وأفكاره في خدمة الطغاة والتأمر على الشعوب..
إن التمجد هو حال زعماء العرب الذين ثارت عليهم شعوبهم بعد أن كانت هي من ساعدتهم على ممارسة الاستبداد بكافة صوره، كان ذلك لعدة أسباب سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية.
ثورات الربيع العربي أطاحت بالعديد من المتمجدين ، لكن يبقى السؤال الأهم: هل انتهت هذه الظاهرة؟ ، أعتقد أننا لازلنا نعاني منها ، على سبيل المثال في مصر عندما لاحظت بعض المواطنين قد رفعوا شعارات تؤيد الرئيس مرسي كتلك الشعارات التي كانت ترفع لتؤيد مبارك، مؤخراً وصف أحد خطباء المساجد الرئيس مرسي بأنه يسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج الأئمة الأربعة ، هذا ولم يمض على تولي مرسي للحكم عامان، فإذا مضى العامان فالله أعلم ماذا سيقول ذاك الخطيب الممجد؟
بالأمس القريب أحد الفقهاء السلفيين في مصر أفتى بجواز قتل كل من يعارض أو ينتقد الرئيس مرسي بحجة زرع الفتن وخيانة الوطن, أما في اليمن فيحاول بعض الممجدين أن يمجدوا الرئيس هادي, لكنه فاجأهم ببعض القرارات الإيجابية التي تضاف إلى رصيده, فأصدر أوامره بحذف الإضاءة من الصحف التي تنشر باسمه وصورته ، فهل سيتوقف مثل هؤلاء الممجدين في خلق الطغاة؟ أم ستستمر الشعوب في التفنن في تمجيد الأشخاص؟.
إلى شعوبنا العربية:
الشعوب هي من تصنع الطغاة وهي وحدها من تقتلعهم عند الاستفاقة، إذا كان هناك شيء لابد أن نمجده فلتكن هي الأوطان وليست بقايا الأصنام, فالأصنام زائلة لا محالة، أما الأوطان باقية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
ALFADOOL_2012@HOTMAIL.COM
خالد وليد الفضول
المجد والتمجد 1761