لا أجد ابداً من الاستمرار في الكتابة عن أولئك الشباب والشابات من أبنائنا وبناتنا على شفى حفرة من نار الضياع والاغتراب عن وطن الأسرة و دفئها الأبوي... فتلك المسافات الشاسعة بين الأبناء والآباء أصبحت تصل حد الخطورة إلى أقصى درجاتها ونكاد نصل إلى تلك الغربة الأسرية التي تشكو منها المجتمعات الطاعنة في جسد الحضارة بالرغم من أننا لم نصل بعد إلى ذلك المستوى الجيد من الحضارة الراقية بمعناها الصحيح.
والسبب يعود من وجهة نظري إلى أننا فقدنا الكثير من القيم الأولية التي كانت ويجب أن تبقى سمة من سمات مجتمعنا البسيط, الفطري, والمحافظ, إن التفكك الأسري الذي بدا واضحاً في علاقاتنا خلال السنوات العشر الماضية يدل بقوة على وجود بؤرة تربوية خاطئة تتحمل مسؤوليتها الأسرة والمدرسة والموضوع الثقافي العام الذي يحكم سلوك الأفراد جميعاً في هذا المجتمع.
تلك البؤرة الملوثة بعادات تربوية خاطئة وفهم مغلوط للثقافات الواردة إلى مجتمعنا الجاذب لها وفق إحصائيات ودراسات اجتماعية مستفيضة, كل هذا كان واحداً من تلك الأسباب ذات التأثير المباشر على منظومة القيم الأسرية والتي وإن كانت عرفية في مجملها إلا أن منها ما جعله ديننا الحنيف سبباً من أسباب الرزق ولول البركة ومثال ذلك بر الوالدين وصلة الرحم.. لكن بقاء الأمر على ما هو عليه قد يبقي كل جهودنا التوعوية خارج السيطرة بالإضافة إلى أن المزيد من الثغرات الأخلاقية المستفيظة إعلامياً ستشكل خطراً كبيراً على وتيرة العلاقات المتوترة سلفاً داخل نطاق الأسرة, ولذا ندعو دائماً لضرورة وجود صحوة تربوية تبدأ من المدرسة وتتدرج على سلم الإعلام المحلي مختلف أنواعه حتى تصل إلى العقلية الجمعية للمجتمع وعندها فقط قد نلمح في الأفق بوادر التماسك والتلاحم الأسري في مواقف سلوكية مختلفة تعيد الصورة المشرقة لمجتمع الأمس الذي كان متماسكاً بفضل إبقائه على منظومة المبادئ والقيم الأبوية السامية..
والغريب أن وطننا يشبه حالة حال أوطان كثيرة سرعان ما تنبهر تلك الحضارات الزائفة في عوالم الأرض لتنسلخ من ثوبها الأصيل مرتدية ما لايسترها من ثياب مرقعة بالزيف والانحراف, غير أن مجتمعات عظيمة كالمجتمع الصيني مثلاً وبرغم الحضارة الطاغية التي ارتداها خلال عقود ماضية من الزمن إلا أنه لازال مجتمعاً محافظاً من الدرجة الأولى من الناحية الأسرية ذلك لأنه لازال متمسكاً بحدود السلطة الأبوية ومبقياً على قيمة نظيفة من ملوثات الحداثة الفاتنة التي أطاحت بالبناء المجتمعي في الكثير من الأوطان, لكن من يفهم الحضارة جيداً يعلم أنها تدعو للتمسك والتأصيل للماضي وأن الحداثة لاتعني التفريط في ذلك الإرث الثقافي القيمي ذي المدلول السلوكي المنتخب.
ألطاف الأهدل
الحداثة لاتعني التفريط 1677