ارتبط العمل الثوري الناجح والمؤثر عبر التاريخ بأسماء غدت نماذج وقدوات، كما ارتبطت رمزيتها بالنجاح الكبير الذي حققته في الانتصار لأهدافها وكذا الانتصار للقيم الإنسانية التي حملتها, فلم يكن غاندي أو جيفارا أو مانديلا أو مارتن لوثر كنج ملهمين لشعوبهم الصغيرة، بل تجاوز تأثيرهم تلك الحدود إلى كل العالم مكانًا وتتوارث أفكارهم الأجيال المتعاقبة زمانًاً..
إن ما ميز هؤلاء وغيرهم ممن أثروا في العالم وكانوا عنواناً لانتصار الثورات هو تمسكهم بأخلاقيات العمل الثوري وإيمانهم المطلق بأن الثورة قيم تستقر في النفوس أولاً لتحدث بعد ذلك الفعل على الأرض لتغيير واقع يستحيل بقاؤه أو التعايش معه أو القبول به وهنا يكمن الفرق بين أن تكون الثورة قيماً راسخة أو مصلحة متغيرة..
فحينما تصبح قيمة فذلك يعني أنها لا يمكن أن تتجزأ أو تفصل حسب الطلب، فمن يؤمن بالحرية مثلاً ويدعو للثورة على الاستبداد لا يمكن أن يكون صادقًاً وهو يمارس الإقصاء أو التعدي على حق الآخر ومن يتحدث عن النضال السلمي وهو يمارس العنف في أعماله فهو بلا شك بعيد كل البعد عن الثورات وأخلاقها!.
لم يحدثنا التاريخ عن أن ثورة نجحت بشعارات لا يؤمن رافعوها بحقيقة معانيها أو أن يلزموها قبل دعوى الآخرين للإيمان بها.. بكل صراحة يمكننا القول بأننا نعيش أزمة في أخلاقيات العمل الثوري, أو أننا على الأقل لم نع ماذا تعني الثورات أو على أقل القليل أننا بحاجة ماسة إلى استيعاب الكثير عنها ؛ لنصل إلى قناعة في حدها الأدنى بأن ما هو حق لي فهو حق لغيري وما أعتبره خطأ في حقي فأرفضه حينما يمارس ضد الآخر وما أطلبه لنفسي لا أصادره على غيري وليس بعد ذلك مثقال ذرة ولا اقل من معاني العمل الثوري، بل يمثل حالة انفصام بين الدعوى والممارسة ومن أبجديات العمل النضالي كذلك أن صاحب أي قضية والمؤمن بعدالتها يبذل كل جهد لإعلاء شأنها والانتصار لها ويركب كل مطية توصله لهدفه ويمد جسور الوصل لكل من يخدم قضيته مثله كمثل الراكب في البحر يسعى لنجاة السفينة ويؤجل الخلافات الصغيرة إلى ما بعد الوصول إلى الشاطئ، فمن الحمق تفجير صراعات والسفينة تتقاذفها العواصف في لجة البحر وكذلك المحب لوطنه يتعلم فنون البناء لا وسائل الهدم ويجيد فن الإطفاء لا إشعال الحرائق ويتسم بالرزانة لا الطيش.. إننا اليوم وفي هذا الوضع الذي يشهد حدة في الانقسام والتشبث بالمواقف والتمترس حولها، نحن بحاجة شئنا أم أبينا إلى التحلي ولو بالحد الأدنى من أخلاقيات العمل الثوري.
يسلم مهدي البابكري
أخلاقيات العمل الثوري 1548