أقسى ما يعاني الشعب اليمني ـ في الفترة الانتقالية المحددة بعامين ـ ليس تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وو..الخ، فجميعها أشياء كنا نتوقعها ـ خاصة وأن ثورتنا لم تتمكن بعد من اجتثاث نظام صالح الذي لازال يحكم بطريقة أو بأخرى حتى اليوم، بل الأقسى والأمر من ذلك أن لدينا ثلة من القيادات الحزبية الفاشلة وحكومة أكثر عجزاً وفشلاً، يصرون جميعهم على إقناعنا ـ كشعب يحتضر ويُشنق يومياً ـ أن الأوضاع تحسنت والأمور تسير إلى الأمام والعجلة تحركت ولا يمكن أن تعود للوراء، وغيره من الكلام الفارغ الذي " مايأكلش عيش" كما يقول أشقاؤنا في العزيزة مصر.
الجميع يدرك أن كل معاول الفساد لازالت تعمل بجد يومياً وبمساعدة وإشراف حكومة الوفاق والرئيس المنتخب، وكلهم يخرجون علينا بكل وقاحة وصفاقة ويقول لهذا الشعب المطحون الأوضاع تحسنت وكل شيء تمام..
نفس الأسطوانة المشروخة التي كنا ولازلنا نسمعها ممن نهبوا ثروات البلاد وقتلوا خيرة أبناءها، وأكرمتهم الاتفاقات بحصانة وأموال لا تعد ولا تحصى.
في وقت ليس ببعيد أخرسنا وزير المالية حالياً والنائب المعارض سابقاً وجميع نواب المشترك في البرلمان "الورطة". الذي لم يستفد منه الشعب في شيء ـ أخرسونا بالحديث عما نمتلك من مقومات هائلة في الثروة السمكية يمكنها أن تغنينا كشعب فقير إن تم استغلالها بالشكل المطلوب وبدون نهب، وهذا أمر لا شك فيه، إلا أننا كأفقر دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط ابتلينا بحكومة لا تجيد سوى الشكوى والشحت من الدول الصديقة والشقيقة دون أن تكلف نفسها في وضع برنامج لتصدير الأسماك بصورة محترمة وإيقاف عمليات الجرف القاعي والنهب الذي يحدث في مياهنا الإقليمية.
جل أحزاب المشترك المشاركة في الحكومة اليوم كانت تقول إن لديها برامج ودراسات ستعمل على إنعاش الاقتصاد اليمني لكنهم للأسف جميعهم أكدوا أنهم لا يقلون دجلاً ولا جرماً ولا فساداً عن سابقييهم.
قبل أيام كنت مع ثلة من الأصدقاء الرائعين في زيارة قصيرة لجمهورية ألمانيا ـ في إطار برنامج الزائر الدولي، طبعاً لست بصدد المقارنة لأنه لا مجال لذلك، ليس لأننا دولة فقيرة فحسب وإنما لأنه ليس لدنيا قيادات صادقة ونزيهة وحريصة كل الحرص على البلد، ولدينا أيضاً شعب جاهل بحقوقه، تكيف للأسف على العيش في مستوى لا يليق به رغم علمه بما ينهب من ثرواته التي لا يستفيد منها إلا قلة من الفاشيين والنازيين والإقطاعيين..
بالعودة إلى الحديث عن الجمهورية الفدرالية الرائعة ألمانيا، شد انتباهي ـ مع العلم أن كل شيء أدهشنا هناك ـ حرص الجميع على أن تكون مباني البرلمان في الولاية أو البرلمان الألماني أو المباني الحكومية، أن تكون زجاجية وذلك عملاً بمبدأ الشفافية في العمل ولكي يكون المواطن الألماني مطلعاً عن كثب بما يدور في شؤون الدولة فمثلاً أن أرد أن يرى ما يحدث في البرلمان ما عليه إلا أن يقف برهة خارج المبنى وسيعرف من يتكلم، ولا يمكن أن يكون هناك شيء خافٍ عليه.
أما الأمر الذي زادني إحباطاً بأننا كدولة يمنية "رغم أنها غير موجودة كدولة" بأن المراحل لازالت أمامنا طويلة، جداً جداً، وقد تقترب من المحال، وهي أن السلطات والقرارات حين تصدر أو توزع تأتي من الأسفل إلى الأعلى وتدار الدولة بهذه الطريقة، فالبرلمان في الولاية هو من يضع القوانين ويرفعها للبرلمان الألماني الذي بدوره يقدمه للحكومة الألمانية لإقراره بعد إعادته إلى برلمان الولاية، أما عندنا فالحمدلله كل شيء عكس الرئيس والحكومة هم من يقرروا أو يقدموا مشاريع القوانين والبرلمان ـ طبعاً لأن أغلبيته من الجهلة غير المؤهلين ـ ما عليه إلا أن يقر بتلك الكوارث وما على المواطن إلا أن يتلقفها وينفذها وإن كانت على حساب قوت يومه.. في حين أن المواطن الألماني في النظام الفيدرالي الألماني هو أول من يطلَّع على القوانين عبر ممثليه في الولايات بعد أن يتم انتخابهم، ناهيك أن بعض المسائل المرتبطة بالمواطن مباشرة قد تخضع لاستفتاء المواطنين لكي يقرها برلمان الولاية.
كما أنني لست بصدد الحديث عن شفافية أو عتمة حكومتنا، فالفساد الجاثم عليها يغطي كل الأعمدة الخرسانية، فما بالك بالزجاجية، فمثلاً حين تعرف أن أحد الوزراء الجدد قد تمكن من شراء "فيلا" في دولة أوروبية بملايين الدولارات ولا أحد يسأل من أن لك هذا، على أساس إننا بعد ثورة والوضع قد تغير وأن يتمكن محافظة جديد من شراء شقة في أسطنبول دون أن يكلف أحد النواب أنفسهم البحث والسؤال ولو من باب إسقاط الواجب..
زيارتي لألماني جعلتني أؤمن أكثر بأن من جاءت بهم الثورة لا يقلون قبحاً ولا كرهاً للوطن عن سابقيهم، فالبلاد تنهار يومياً ولا نجد أحداً من وزرائنا المحنطين يفكر كيف ينعش الاقتصاد من خلال ثروتنا السمكية التي لن تعترضها عملية تفجير كأنابيب النفط و الغاز، أو تقطع من قبل المخربين أو رجال القبائل الذين يستهدفون خطوط نقل الكهرباء.
مرايا
ـ جريمة أن يظهر قادة ثلاثة أحزاب كبيرة مثل الاشتراكي والناصري والإصلاح على شاشة الجزيرة بعد عام ونيف من الثورة ولا يقدموا للموطن شيئاً جديداً، والجريمة الأكبر أن يبرروا فشلهم بالنظام السابق.
ـ نسرين وآسيا ونانسي كنتن رفيقات رائعات لنا في برلين وبون.. وأجمل ما في الرحلة زدتن بياض الثلج بياضاً وروعة ألمانيا ألقاً.
ـ لأصدقائي الرائعين فتحي بلرزق، وعبدالكريم الخيواني واليوسفي سمير، ونبيلةالحكيمي، والأكثر روعة الرفيقين سامية الأغبري وعلوي السقاف.. كنتم أجمل ما في الرحلة، لكم مني الحب، كونوا سعيدين دائماً.
إبراهيم مجاهد
بين شفافية "البوندستاغ" وعتمة الوفاق 2377