الاستبداد..الطغيان..القهر..الظُلم..كُل هذه المُصطلحات المرعبة في التاريخ الإنساني؛لا يُمكن أن تتحقق بأي حال من الأحوال أو شكـل من الأشكال وتُصبح واقعاً حيَّاً تسري في أوساط التجمُّعات البشرية أو المُجتمعات، إلا وكانت مُتزامنةً مع خطة ممنهجة مسبقة لتجهِيل تلك المُجتمعات أو التجمُّعات ومن ثَمَّ قد يتزامن معه أو قد يعقبه مرحلياً كُل أصناف الجور التي تُصيب الإنسان في ذاته ومُجتمعه وأرضه..وأشدُّ تلك الأصناف وأنكأها تلك التي يرتكبُها ثُلَّةٌ من أبناء الوطن الواحد ضدَّ الآخرين من أبناء جِلدتهم..
إنَّه طُغيان مُركَّب..! واستبدادٌ مضاعف وظُلم ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً وأمضى على النفس من وقع الحُسام المُهنَّدِ ؛ غير أنهُ يجبُ التدوين هاهُنا والقول إن هؤلاء العاقين لوطنهم المستبدّين بإخوانهم تحت أي مُسمَّى كآن لو أنهُم قتلوا إخوانهم تقتيلاً أو حتى شردوهم تشريداً إلى كُل بقاع الدنيا أو نهبوا أموالهم ولم يبقوا لهُم شيئاً لما كان كُل ذلك أبشع ولا أشنع من تجهيلهم إياهم عمداً بحرمانهم من حقهم في التعليم الصادق وحقهم في التشكُّل الشخصي في محيط ثقافي حي , لا لشيء إلا ليسهل عليهم تنفيذ مآربهم الشيطانية الاستبدادية وإشباع رغباتهم الفرعونية المتمثلة في الاستمرار في الحُكم واستعباد الإنسان ونهب الأموال والثَّروات..!
أقول إنه باستقراء التاريخ الإنساني بعُمق استبان أن الجهل الذي يعقُب الانحطاط الثقافي هو المُصيبة الكُبرى..والكارثة التي دونها تهُون كُل الكوارث ولولا الجهل ما وجِد طاغية ولا كان هُناك مُستبدٌ ظالمٌ لشعبهِ وتأريخه..! لولا الجهل ما استبدَّ بنا إخواننا في الدين والوطن باسم الدين أو باسم الوطن..! لولا الجهل ما أصروا على استعبادنا ومآ أصبحنا بإصرارهم في قعر الانحطاط، نمُد أيدينا لنقتات -ونحنُ الأغنياء بثرواتنا المكنوزة - من كُل دول العالم حتى أصبحت بعض دول الخليج تسمح لأئمة مساجدهم بجمع ما تساقط من مصروف أبنائهم لشعب اليمن ليأكُل بهآ خُبزاً وطُغاتنا ومستبدونا يأكلون ثرواتنا وخيراتنا الحاصلة ويحرموننا ـ بتجهيلنا عمداً ـ من إستخراج خيراتنا المكنونة في الأرض الطيبة التي وهبها الله لنا لنعيش بكرامة الإنسان وعزَّة الإنسان..,ولطالما تحدَّث التاريخ عن رصيدنا الحضاري ومساهماته في ارتقاء البشرية وانتشالها من نمط معيشتها البدائي إلى نمط الحياة الرائعة الكريمة التي تليق بالإنسان المُكرّم من الله ولئن كُنا قد خرجنا من التأريخ وفقاً للقواعد الكونية، إلا أننا نحملُ في جيناتنا وفي أرضناً رصيداً حضارياً يتجاوز عمره خمسة آلاف سنة..هذا الرصيد هو الفاعل الأول والحافز المؤثر للثورات التي خاضها أبناء اليمن من أجل العودة إلى الدورة الحضارية وآخر تلك الثورات كانت الثورة الشبابية السلمية على النظام السابق، فلقد كانت الكارثة العظمى التي أرتكبها في حقنا ذلك النظام هي تجهلينا عمداً وإفقارنا عمداً بنفس منهجية كُل الطواغيت المُستبدين ليسهُل على النظام السابق بعد ذلك استعبادنا واستغلال ثرواتنا ومقدراتنا أسوأ استغلال وأبشع استغلال تتضح معالمه كُل يوم وما خفي كان أعظم مما استبان معرفته , واليوم يفاجئنا رئيس الجمهورية عن نمط واحد من أنماط تلك الجرائم التي كان يرتكبها النظام السابق في المؤسسة العسكرية- فقط- نصف الجيش على الورق لا وجود له..! أي أن هذا النصف في العدم أما مستحقاته المالية فتُصرف من الدائرة المالية في العالم المشهُود لقائد الحرس الجمهوري يا للهول..! ويا لقساوة الحقيقة المُرة حين نتجرعها دُفعةً واحدة ومفاجئة..!تُرى كيف الحال في بقية المؤسسات ؟! كم هذا الوطن مُعذب بأيدي أبنائه والأدهى والأمر بحسب تصريح الرئيس أن الوسائط المادية العسكرية المملوكة لليمن مازالت بأيدي النظام السابق يرفض تسليمها لوزارة الدفاع، بل إن قائد الحرس ذهب أبعد من هذا..! إنه يُهدد بضرب صنعاء بصواريخها "سكود" المعهودة لديه كأمانة بداعي أن الرئيس تجرأ وطلب تسليمها لتكون بحوزة اليمن ولليمن المالك لها..
وعلى ذات السياق مازال النظام السابق يحتفظُ على أقل تقدير بألف دبابة..أي والله ألف دبابة..! يرفضون تسليمها ويجتازونها قهراً ومُغالبة لليمن وأبنائها، فلم يكتفي النظام السابق بكل ما فعله ويفعله في اليمن، بل إنهُ يقف حجرة عثرة في أن نعيش بأمان واستقرار وهاهو يُهدد ويتوعد بأن يضرب صنعاء بصواريخ "سكود" وما فوقهُ إن لزم الأمر وما دونه بحسب المُقتضى , يُهدد حين يذكرونه بالوطن واستحقاقاته عليهم ؛ والمأساة الحقيقية أن تنطلق كلمات التهديد الصاروخية من قائد الحرس نفسه الذي كُنا نظن أنه قد فهم درس الثورة وأن عقليته ونمط تفكيره قد تغير..! لكن يبدو أن ثقافة الطُغيان والاستبداد التي تربى عليها مازالت مُسيطرةً عليه واستبان أنه غير قادر على التخلص منها وأن أحداً ما لم يكُن بجواره ليساعده على كيفية التخلص منها قبل أن تجرفه إلى مجهول لا يعلم مُعطياته إلا الله.,وأثبت بذلك أنه لم يعُد محل ثقة سواء على موقعه أو على الأمانة المستودعة لديه -وعودة على ذي بدء- أقول : إن جريمة تجهيل أبناء اليمن قد تجلت أسبابها من بين أسطُر وكلمات التهديد الأحمدي الذي لم يعرف في يومٍ من الأيام أن يقول له أحد ماذا تفعل ! أو لماذا فعلت أو ماذا عندك ؟! فالشعبُ قد تمَّت برمجتهُ على أن لا يسأل ولا يتدخل وأن يسمع ويُطيع ويُنفذ دون أن يناقش، فتلكَ هي غاية التجهيـل، فلا يمكن أن يوجد شعب لديه أبسط مقومات الثقافة أو مدخلات المعرفة ,يستطيع أحدٌ ما أن يسخر منه ولا يأبه له حتى وإن كان رئيسه..!أسمعتم أو رأيتُم رئيساً في هذه الدنيا يستولي على مقدرات واستحقاقات نصف جيش شعبه ! ويقول له كذباً إنهم في الوجود وهم عدم ,لا يُمكن لشعب ما أن يستهتر به قادته وينهبون ثرواته إلا وهم على ثقة أنهُم قد سبق وجهَّلوه وأفقدوه ثقتهُ بنفسه حتى لا يعلم ما لذي يصنع به حُكامه..حتى لا يعي ما هي حقوقه..حتى لا يسترجع وعيهُ ويدرك أنه عزيزٌ كريمٌ في بلده وأن الله قد كرَّمه وأودع رزقهُ وخيراته في الأرض وما عليه سوى بذل الأسباب حتى يتمكن منها ؛ حتى لا يعلم الشعب أن الحياة بدون كرامة عدم..! لهذا كُله جهلوه ثُم استبدَّوا به إلى درجة أن بعض أبناء اليمن ظن وما يزال أنهُ لا حياة إلا في ظل نظام الزعيم..! ألا ترى أنه يُعطيهم بعض فتات ما أخذه منهم..! وهل بعد هذه النعمة من نعيم..!! ولذلك أصبح الاستحواذ الشخصي لمُقدرات الأمة تحصيل حاصل بعد أن أضحى مُعظم الشعب تائهاً في هذه الدنيا يبحث فقط عن لقمة عيشه ليستمر على قيد الحياة ويحافظ على وجوده ونسله من الانقراض.., وتحولت اليمن إلى مزرعة إنتاج خاصة لا علاقة لها بالإنسان إلا فيما يلزم للمزرعة..! لهذا كُله كـان التهديد بضرب صنعاء بصواريخ "سكود" وليست علة التهديد طلب تسليم الرئيس منظومة الصواريخ، بل تكمُن العلة الحقيقية في أن الرئيس بهذا الطلب يُريد أن يكون رئيساً وهذا ما أزعج النظام السابق وأخرجهُ عن طوره ووعيه السياسي..! فالرئيس بهذا الطلب قلب المعادلة وإذا بلسان حال النظام السابق يقول بالبلدي المفتوح " صدق نفسه انه رئيس " أنَّى له ذلك فمُعظم ترسانة اليمن من الأسلحة بحوزتهم وهي موجهة إلى قلبه..
وفي الأخير أجدني بلا شعور أردد قولهُ تعالى (وعسى أنْ تَكرهواْ شيئاً وهو خير لكُم ) وفي تصوري أن هذا التهديد الفظ المجنون قد اشتمل بين جوانبه على الخير كله، فهو صادر من قِبل قائد الحرس الجمهوري- امتداد النظام السابق- وما هذا التهديد في حقيقة الأمر إلا بداية النهاية البعيدة لعام "78" ذلك العام الذي لا أجد لهُ وصفاً تاريخياً إلا أنه كان كارثةً حقيقية على اليمن وأهله..! أتمنى أن يُدرك ذلك الزعيــم ونجله..
د/ عبدالله الحاضري
صواريخ " سكود "..وبداية النهاية 2114