احذروا الإعلام السكران الذي شرب حتى الثمالة منذ أن تأكد أن مقاليد الحكم ستصل إلى الإسلاميين، يطلع علينا كل يوم في وسائل الإعلام المختلفة من يحمل كفنًا يريد أن يلف الشعب فيه ومن يحمل سكينًا يريد أن يطعن مصر به ومن يحمل مسدسًا يريد أن يروع المواطنين به، أخص بالذكر منها في مقالي هذا ما يصدر في الصحف الحكومية التي تخرج علينا كل يوم بعناوين ومقالات تحوي مغالطات لا تخرج إلا من فاقد للوعي أو مغيَّب، هذه المغالطات يراد لها أن تنتشر وتتأصل في ضمير كل مصري، سأتجنب اليوم السفيه منها وسأتناول اللئيم الذي "يخشى من أن يكون الرئيس محمد مرسي قد ضيع على نفسه فرصة أن يكون الممثل لجميع المصريين والحامل لهمومهم كلهم دون استثناء. ويخشى من أن يكون قد وضع بنفسه حدًا فاصلاً بينه وبين المصريين". يروجون لهذه المغالطات، وكأن السيد الرئيس محمد مرسي غير مصري أتى لحكم مصر عبر أوامر سلطانية من الباب العالي بالأستانة، وأنه لم يفز في انتخابات حرة نزيهة، وأنه لولا السكر الإعلامي لفاز بأغلبية ساحقة.
ويزعم الإعلام السكران- مع علمه تمام العلم أن الزعم مطية الكذب- "أنه نصح مرارًا وتكرارًا بوجوب اصطفاف المصريين وراء الرئيس المنتخب بغض النظر عن اختلافهم الفكري مع الحزب والجماعة القادم من أعماقهما"، هذا على اعتبار شيئين: الأول: أن هذا الإعلام بارك نجاح الرئيس وأشار على الشعب بمباركة هذا النجاح. وكأن الرئيس نجح بالتزكية. والثاني: أن الجماعة قد اعتنقت دينًا أو مذهبًا عقديًا غير الدين أو المذهب الذي يدين به جل الشعب المصري، وأن غالبية الشعب ضد هذا الفكر وضد هذا المذهب، وأنهم نصحوا الشعب بتجاوز هذا الخلاف العقدي والمذهبي بينه وبين الجماعة التي أتى منها الرئيس، وبذلك يؤصل الإعلام السكران لفكرة أن الجماعة وإن كانت تدعو إلى إسلام فهو إسلام غير الإسلام الذي يدين به المصريون، ويبدو أنه يشير إلى أن هناك فرقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا بين مسلم سني من الإخوان ومسلم سني من غير الإخوان. لم يعرف الإعلام السكران أو لم يكلف نفسه أن يعرف ألا فرق بين مسلم في جماعة الإخوان ومسلم ثان في مؤسسة الأزهر الشريف وبين مسلم ثالث دعا إلى الله منفردًا، لم يدرك- وحُقَّ له ألا يدرك- أن الكل يدعو إلى شيء واحد بوسائل معظمها واحدة وأن الفرق بينهم فرق في الآلية المتبناة والهدف الذي يسعى إليه كل داع، وكلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ملتمس.
كما نرى هذا الإعلام السكران يأسى ويأسف على حال "الشعب المصري التواق إلى الاستقرار وإلى المضي قدمًا إلى الأمام والذي يعاني الفوضى وعدم الارتياح إلى المناخ العام السائد منذ انفجار الثورة المصرية، وأن الغالبية العظمى من المصريين لم تكن تعنيهم مسألة الخلاف الفكري مع جماعة الإخوان بقدر ما كانت تعنيهم فكرة أنه قد آن الأوان لأن تضطلع هذه الجماعة بمسئولياتها في إدارة شئون الحكم وأن تجرب بنفسها أن من كانت يده في النار ليس كمن يده في الماء".
و للأسف لم نجد- مع هذا الأسى والأسف- من ينطق ببنت شفه أن الرئيس انتخب منذ خمسة أشهر فقط، وأن الظروف التي مرت بها البلاد خلال الستين عامًا الماضية من فساد وإفساد أصبح أصله ثابتًا في الأرض وفرعه في جميع مفاصل الدولة بما فيها مجال الإعلام الذي سكر حتى الثمالة وأعلن- وهو متلبس بالسكر- الحرب على الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين التي أتى منها الرئيس منذ أن أعلنت موقفها من استفتاء مارس الشهير، وبدأ يحرِّض الشعب المصري على المعارضة الهدامة، لم يذكر الإعلام السكران أن بضاعته التي يتكسب منها هي التي ساعدت على إشعال نار الفتنة وشق الصف بين الرئيس وقلة مستعدة لأن تصدق وتنساق بكل سهولة وراءه في التطاول على الرئيس وعلى سياساته دون وعي.
ترى هذا الإعلام يستمر في سكره وعهره ويستمر يسوق المغالطات بأنه تمنى أن يستشعر الرئيس خطورة المنصب والمكانة، وأنه سوف يجعل من العقيدة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين مجرد مرجعية فلسفية يحاول المواءمة بينها وبين الواقع الذي يتحرك في أجوائه والذي يحكمه ما يحكمه من دولة عميقة ضاربة في جذور التاريخ "وكأن العروبة والإسلام طرأت على الشعب المصري ولم يحترم الإسلام الذي جاءنا من شبه الجزيرة دخيلاً على البلاد- على حد زعمهم- ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده.. ونسى هذا الإعلام الذي شرب من بقايا خمور الغرب أن من عاش في مصر بجسده وكان قلبه وعقله معلقًا بالثقافة الغربية التي لحست عقله وظن أنها الحق المطلق الذي لا مراء فيه، وظن العالم كله بما فيه مصر يعيش هذا الواقع أن هناك من ضحى وهو يدعو إلى تحكيم الشريعة وأن هناك رئيسًا ضحى من أجل هذا الهدف وأن هذا الرئيس ومن ورائه جل شعب مصر لا يرضى بديلاً عن الشريعة ولا يرتضي أن يحكم بمناهج أو تصورات غربية لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، والأدهى من ذلك أن هذه المناهج نشأت معادية للنصرانية، فيريد من عاش بقلبه في الغرب العلماني أن يسقط نفس هذه النظريات المتهرئة على الإسلام والمسلمين مع الاختلاف الكبير بين النصرانية والإسلام، ولأن الإنسان عدو ما يجهل شن هؤلاء حربًا ضروسًا على الإسلام الذي لا يعرفون منه إلا اسمه، وذلك من خلال الترويج لجبهة إنقاذ البلد من الإسلام، والتشكيك في مصداقية كل من يدعو إلى تطبيق الشريعة وعلى رأسهم الإخوان، وحتى لا تكون معركتهم مع الشعب بإظهار عدائهم للإسلام، أعلنوا الحرب على الإخوان، واستعدوا الشعب عليهم وشيطنوا كل ما يأتي به الإخوان أو ما يأتي بالإخوان؛ فبسقوط الإخوان تسقط فكرة تطبيق الشريعة التي طالما حلم بها غالبية الشعب المصري، وعندما كاد الأمل يتحقق، عمدوا إلى الإساءة والتشويه ثم إلى الإرباك حتى لا تنجح الفكرة، وصولاً إلى تحويل استفتاء الشعب على الإسلام، إلى استفتاء على الإخوان، والدليل على أن العداء للفكرة وليس لجماعة الإخوان في حد ذاتها سعيهم الحثيث للترويج لفكرة الدستور أولاً، ثم حل مجلس الشعب ومن بعده حل التأسيسية، وحل كل مؤسسة أتت بالإخوان أغلبية أو أكثرية أو أي مؤسسة أتى بها الإخوان، وأخيرًا معاداتهم للدستور ومحاولات تشويهه المستمرة بأنه دستور طائفي، ودستور لا يمثلني، ولكم دستوركم ولنا دستورنا، ودستور أهلي وعشيرتي، وأنه دستور غير توافقي، وتخوين كل من يصوت بنعم للدستور، والتظاهر وما صاحبه من همجية من قِبَل من يطالبون بالتحضر والدولة المدنية، ثم وصف الاستفتاء على الدستور بأنه استفتاء على الجماعة وسياساتها.
وحتى تنتهي حالة السكر بكل ما أتت به من سلبيات، وحتى تنهض الأمة من كبوتها وتسترد عافيتها وتتحد على هدف واحد؛ ألا وهو نهضة مصر الدولة الكبرى في المنطقة حتى تصبح الدولة الكبرى في العالم؛ وجب على كل ذي لب أن يصوِّت بـ"نعم" للدستور، وما اختلف عليه المصريون الآن قد يتوافقون عليه غدًا بعدما ينتهي السُّكر ويسود الفكر، ولن يسود إلا بالتعقل الناتج عن الاستقرار، بإذن العزيز الغفار.
الاخوان اون لاين
أيمن سيد أحمد
الإعلام السكران يشهر سلاح الفرقة 1964