إن الثورة الشعبية في اليمن إحدى ثورات الربيع العربي وهذا كلام صحيح, لكن معطياتها ووسائلها ومخرجاتها مختلفة، وكذلك ظروفها ومكوناتها تختلف نسبياً عن غيرها.
فالثورة الشعبية في اليمن سبقها تهيئة سياسية وتعبئة شعبية لفترة ليست بالقصيرة، وكان العالم حاضراً في هذه المرحلة وشاهداً على مطالب الشعب المشروعة، تمثل في مرحلة النضال السلمي ثم الهبة الشعبية، وهذا الحراك السياسي كان البرنامج النظري وخطة إصلاح البلد مكتوبة ومجمع عليها من جميع القوى السياسية فيما سمي حينها بوثيقة الإنقاذ الوطني وهذا لم يكن إلا في اليمن فقط.
كذلك وجد للثورة حامل سياسي من أول يوم للثورة وهو تحالف أحزاب اللقاء المشترك،وأضِيف إليه بقية مكونات الثورة،وهذا الحامل جعل الثورة تسير في أكثر من خط وتهدد أركان النظام من كل جهات مقاومته..
وعليه فإن انتصار الثورة وإسقاط النظام السابق، لم يكن بالضربة القاضية،وإنما باحتساب النقاط والتفوق أخلاقياً وسياسياً وبصمود منقطع النظير.
وعلى كل فإن هذا الخط لمسار الثورة في اليمن وطريقة التعامل من الغير، قد كلف الثورة الكثير من النقد الآني، والملامات داخل صفوف الثورة وخارجها،واعتبار القبول بالتسوية السياسية تفريط بأهداف الثورة،والركون على الجانب الدولي أكثر من الجانب الشعبي، كل هذا وغيره يجعل الحامل السياسي للثورة في مرمى سهام الشارع السياسي وأنصار الثورة والكثير من مكونات الثورة.. هذا الجانب وتوضيحه سنتناوله في موضوع آخر.
ما يهمنا اليوم وما نريد لفت الأنظار إليه باختصار هو ما تحقق من أهداف الثورة حتى اليوم:
1. ألغت الثورة توريث النظام والجمهورية وأسقطت نظام العائلة واحتكار السلطة، وهذا بحد ذاته ثورة كاملة.
2. أعادت الثقة للشعب والجماهير بأنها صاحبة الحق بالحكم والتغيير، بعد أن كان اليأس قد ترسخ في نفوس الجميع من أي تغيير أو إصلاح وفقدوا الثقة حتى بالديمقراطية الصورية.
3. إعادة اليمن إلى صدارة الاهتمام العالمي كشعب يستحق التعاون والدعم، والوقوف إلى جانبه بعد أن كان النظام السابق قد قدمه للعالم كشعب شحات ودولة فاشلة بجميع التقارير الدولية المهتمة باليمن.
4. ثورة فبراير أعادت الاعتبار لثورتي26 سبتمبر و14 اكتوبر في إمكانية تحقيق أهدافهما بعد أن أمم النظام السابق الأهداف الرئيسية للثورتين وأعاد تمثيل الإمامة والاستعمار بأسوأ صوره وأقبح مساوئه.
5. فوتت سلمية الثورة على النظام السابق طريق العنف والحرب والفوضى، التي كان قد حضر لها ويدفع للانزلاق نحوها بكل ما يملك وبكل الطرق المتاحة له، وهنا كانت هزيمة أخرى للنظام السابق بالحفاظ على السلم الاجتماعي من قبل الثورة،واستطاعت قوى الثورة تعدي هذه المرحلة إلى الآن والحمد لله.
6. ومما يحسب للثورة حتى الآن أنها قد أخرجت النظام السابق عن القدرة على الفعل العسكري بعد اليوم ويحاول إعادة إنتاجه بأسوأ وأقذر المهام خارج القانون والدستور والقيم.
7. يحسب كذلك للثورة إلى الآن أنها استطاعت استعادة مناطق كشبوة وأبين وأجزاء من محافظات أخرى إلى حاضرة الدولة،وتفكيك كمائن النظام السابق كالقاعدة والمذهبية والمناطقية.
8. في جانب المصلحة المباشرة للجماهير بصفة عامة يصل الاستقرار الغذائي في القيمة الشرائية وتوفير المواد،وتحسين أداء الخدمات كالكهرباء التي كان يصل مجموع انقطاعها في اليوم والليلة إلى 22 ساعة، ومن جانب الخدمة المدنية فقد تم استيعاب60 ألف وظيفة لمقاومة البطالة المتزايدة،وكذلك الضمان الاجتماعي فقد تم استيعاب500 ألف حالة ضمان اجتماعي، أما على الصعيد الدولي فقد تم تعديل وإلغاء الاتفاقيات المجحفة بحق الشعب سواء في الغاز والمعادن وميناء عدن وغيرها.
9. ومما يحسب للثورة وبصورة منصفة وكبيرة بحجم البلد أنها وبطريقها في إسقاط النظام السابق جنبت البلد التدخل العسكري الخارجي وجاءت بالعالم شاهداً على عدالة قضيتنا وصدق مطالبنا وشرعية نضالنا.
10. كما أن هناك منجزاً عظيماً من منجزات ثورة فبراير ويحسب لها وهو أن هذه الثورة من أول يوم وحتى الآن تعتبر دورة كبيرة وطويلة في محو الأمية السياسية للجماهير والشعب، فلا يستطيع أحد أن يخدعه أو يحرمه من أحد حقوقه أو يتلاعب بوعيه.. وهذا المنجز لم تكن أي قوى سياسية أو مؤسسات ثقافية أو إعلامية أو تعليمية لتنجزه ولو بعد حين.
عبد القادر سعيد
ما حققته ثورة فبراير حتى اللحظة 1707