لم نتعود طوال فترة حكم زعماء العرب الذين جاءوا عن طريق انقلابات عسكرية وتشدقوا بالديمقراطية والشرعية المغلفة بألف علامة استفهام أن ساحات وميادين تعارض سياساتهم وتطالبهم بالرحيل، ما حدث في العام الماضي لم يكن محض صدفة بأن تسقط أربعة أنظمة بوليسية ببضعة أيام أو شهور تتهالك كل أجهزتها الأمنية والعسكرية بكل هذه البساطة وهي من أعتى الأنظمة أمنياً ومخابراتياً.
لقد كانت سنة الله في الأرض بأن أراد لنا التغيير وجاء القرن الواحد والعشرون حاملاً معه منابر للتغيير أطلت علينا بثورة المعلومات، فبدأ انتشار الفضائيات والإعلام الحر، بعد أن ملّت الشعوب فضائيات الزعماء، ثم تطورت شبكات الاتصالات وصاحبه انتشار الانترنت وتطوره ثم شبكات التواصل الاجتماعي.
مع كل هذا لم تدرك هذه الزعامات خطورة هذا الإعصار القادم من سماء لم يستطيعوا إغلاقها، بل قابلوا ذلك بزيادة الضغط على النخب المثقفة والسياسية والعدول عن تصحيح أخطاؤهم وسياساتهم والنظر إلى متطلبات شبابهم وظلوا مكرسين كل جهودهم من أجل توريث أبناؤهم لما بعد مماتهم وكأنهم خلقوا ليظلوا سلاطين على شعوبهم وكل هذا باسم الديمقراطية ونتائج الـ99% جاء العام الفائت وقد تولدت لدى الشباب العربي والنخب المثقفة والسياسية قناعات بأنه لا مجال للتغيير سوى النزول إلى الساحات والشوارع لطرح مطالبهم والإعلان عن انتهاء شرعية الـ99% التي لن يستطيع الحصول عليها حتى العظماء على مر التاريخ واستبدالها بشرعية ثورية مستمدة من صميم الشعوب التي ضاعت حقوقها، بل وأحست بأن لا مستقبل حتى لأولادها، فكانت الساحات والميادين إحدى منابر النضال المستمر والتي صاحبها ذلك الزخم الثوري والإعلامي، فكانت عصيّة على كل المحاولات اليائسة من أجل إسكاتها، فلقد جمعت في ثناياها الشباب والنساء والأطفال والنخب السياسية التي عجزت لسنين عن إحداث جزء بسيط من التغيير رغم محاولاتها لعشرات السنين بما في ذلك استعانتها بالسفارات الأجنبية.
حقاً لقد فضحت هذه الأنظمة الجوفاء أمام الشباب الصامد الذين استعادوا لهذه الأمة ثوريتها وقداستها، هي التحية لكل فضائية حرة ساهمت في نقل كل أحداث الساحات والميادين والتحية لكل صاحب قلم حر دافع عن ثورته والتحية لكل مراسلي القنوات العالمية الذين نقلوا الحقيقة، والتحية لكل من ساهم في التصوير وكل من ساهم في نشر الحقائق عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتحية كل التحية لكل عربي حر استشعر قيمة هذه الثورات وقام بها هو عليه.
محمد حمود المجيدي
منابر التغيير 2164