;
د. محمد عاكف جمال
د. محمد عاكف جمال

حول ما هو مشترك بين الطغاة 2082

2012-11-09 00:58:08


الأنظمة الديمقراطية في العالم ليست متشابهة مع بعضها إلا في بعض الوجوه ذات الطابع العام والتي تتصل بشرعية الحكومات التي تنبثق عنها وبطبيعة المؤسسات العاملة فيها رغم أنها قد تتباين بهذا القدر أو ذاك حول شفافية العملية التي تحيط بذلك. ولا يوجد نظام ديمقراطي معياري على المستويين الأكاديمي والبراغماتي تقاس بقية الأنظمة بالنسبة إليه.
فتُحترم وتقبل ضمن الأسرة الدولية أو تُنبذ لتطرد منها. ومع ذلك فالأخذ بالخيار الديمقراطي في بناء الدولة المعاصرة قد أصبح في الوقت الحاضر أمرا لا مفر منه بغية الحصول على شرعية الوجود بين الأسرة الدولية وفق المعايير التي انبثقت بعد حقبة الحرب الباردة، فمن سمات عصرنا الحالي تضاؤل الفرص أمام قيام أنظمة طغاة.
الديمقراطية لا ترتبط بالضرورة بطبيعة نظام الحكم سواء كان ملكياً متوارثاً أو جمهورياً انتخابياً رئاسياً كان أم برلمانياً، فأقدم ديمقراطيات العالم هي بريطانيا كانت ولا تزال ذات نظام ملكي متوارث.
المهم في الأنظمة الديمقراطية أن مركز صناعة القرار عرضة للتداول وغير مكرس لشخص واحد أو لحزب واحد، وإنما لمن يصعد إلى سدة الحكم بانتخابات حرة نزيهة، مع وجود سقف معين من الحريات، يختلف من بلد لآخر، يسمح بالرقابة على أداء الحكومات ويسمح في الوقت نفسه بتوجيه النقد بغية تقويم المسارات.
وحين نغادر فضاءات الديمقراطية نتوقف أمام مصطلحات أخرى تختص بالحاكم منها "حاكم مستبد" أو "دكتاتور" أو "طاغية"، ولسنا بصدد الدخول في الفوارق بين هذه المصطلحات، إلا أن ما نود الإشارة إليه في هذا السياق هو أن الأنظمة غير الديمقراطية هي الأخرى متباينة الخصائص، وليس بالضرورة أن يتحول كل "حاكم مستبد" أو كل "دكتاتور" إلى "طاغية".
أنظمة الطغاة لها ما يميزها لأن بينها بعض الخصائص المشتركة أبرزها سيطرة مطلقة لحكومة استبدادية لها رأس واحد فقط مع غياب جهاز يراقب أداء هذا الرأس واستعداد كامل للدفاع عن مصالح هذا الرأس مهما كلف ذلك من ثمن، فأبرز ما يميز الطاغية هو احتقاره للإنسان والاستهانة المطلقة بحياة الناس.
وليس من الصعب الإشارة إلى نماذج من هؤلاء الطغاة قديماً وحديثاً لم يترددوا في إبادة الآلاف وربما عشرات الآلاف من أبناء جلدتهم من أجل البقاء في السلطة، وليس من الصعب كذلك الإشارة إلى نماذج منهم قادوا بلادهم إلى الدمار وشعوبهم إلى التهلكة، ولم يحدث في التاريخ، قديمه وحديثه، أن أزيح طاغية عن الحكم بطريقة سلمية، وإنما يحصل ذلك عادة باستخدام العنف المسلح أو التدخل الخارجي أو يغيبه الموت.
من سمات أنظمة الطغاة أنها أنظمة شمولية لا تترك مؤسسة من مؤسسات المجتمع خارج هيمنتها المطلقة موظفة بذلك قدرات هذه المؤسسات، الأمنية والإعلامية بشكل خاص، لما يخدم الطاغية وطاقمه في إحكام القبضة على البلاد عبر رقابة وإحصاء حركات الناس وسكناتهم .
حيث لا يسلم المقربون له قبل غيرهم من ذلك، وقد يتجاوز الأمر ذلك في بعض أنظمة الطغاة، فتعمل على اختراقات في البنية العائلية نفسها ولا تترك ثغرة إلا وملأتها، ويرتبط بأداء الطاغية مستلزمات أخرى وأبرزها صناعة صورة استثنائية له ولنظامه من قبل وسائل الإعلام لوضعه فوق مواقع الآخرين من حيث القدرات الفكرية وتميز الأداء إلى درجة اعتباره مصدر إلهام في العلوم والآداب والفنون وابتكار أو توظيف قصص بطولات خرافية عن بعض الخوارق التي ترتبط ببعض سلوكياته.
وقد يتجاوز ذلك إلى صناعة صورة مقدسة له واعتباره مصدر كل بركاتهم، فوسائل الإعلام تعمل على أن يكون للطاغية حضور دائم، فأنى وليت وجهك تجد أمامك نصباً كبيراً له أو جدارية عالية لرمز يرتبط به أو صور وملصقات تغطي الجدران يظهر فيها بمناسبات معينة.
وفي أنظمة كهذه يصبح تمجيد الطاغية مادة في البرامج الدراسية التي تنشأ وتُربى الأجيال عليها، ولنا أكثر من مثال على ذلك نذكر منها ديكتاتور كوريا الشمالية (كيم إيل سونغ) الذي أورث ولده الحكم والذي بدوره أورثها لولده علماً بأن النظام الكوري الشمالي ليس نظاما ملكياً.
هناك أكثر من مدخل لتسلل الحاكم الذي قد يصبح طاغية إلى موقع صنع القرار في بلده، فإن لم يكن البلد ملكية متوارثة، فالحاكم يجد له منفذاً للوصول إلى سدة الحكم من خلال انقلاب عسكري إن كان عسكرياً كما حصل إبان عهد الرئيس السوري الراحل الذي أورث الحكم لولده، ومع القذافي في ليبيا، ومع زين العابدين بن علي في تونس.
ومع علي عبدالله صالح في اليمن وهناك أمثلة كثيرة في دول أخرى شهدت عصر الانقلابات العسكرية في أفريقيا وأميركا اللاتينية في القرن المنصرم، أو من خلال توظيف عسكريين لأغراضه في أطر الانتماءات العشائرية والقبلية، وقد يصل إلى الحكم عبر السيطرة على قيادة حزب له نفوذ في البلد كما حصل مع أدولف هتلر في ألمانيا وكما حصل في العراق إبان حكم الرئيس العراقي الراحل/ صدام حسين.
وما هو مشترك أيضاً بين الطغاة، وهو الأكثر أهمية وخطورة، هو أن كلاً منهم يمكن اعتباره نموذجاً مجسداً للشر والقسوة التي لا حدود لها، معظمهم مصابون بجنون العظمة واضطراب الشخصية التي تتميز بالغرور والتعالي والشعور بالأهمية، وهو ما يعرف بعلم النفس "النرجسية".
وهو مصطلح نُحت استنادا إلى أسطورة يونانية قديمة تعبر عن مصير من له درجة متميزة في عشق الذات، ولا يخطئ التحليل النفسي تقدير ذلك من خلال الاستماع إلى أقاويلهم وتحليلها، ومتابعة تحركاتهم والتعرف على أسلوب معيشتهم وعلى أساليب تعاملهم مع الآخرين.
وحين يزداد موقع الطاغية قوة يصبح أكثر بعداً عن الواقع وأكثر التصاقاً بأجواء خياله المريض ويبدأ بارتكاب الأخطاء حين يعمد إلى إجراء حساباته وفق القناعات الزائفة التي أسهمت حاشية فاسدة بفعل ريائها وخنوعها على صناعتها وأغرته بالتمسك بها، لتساعده على الوصول إلى نهايته المحتومة.
× نقلاً عن البيان الإماراتية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد