قد يستغرب بعض العرب احتقار الفلسطينيين لسياسة محمود عباس، وكأن لا حدث على وجه الأرض يشد الفلسطينيين بعيداً عن سياسة عباس! وقد يحسب البعض أن في الأمر سراً، وأن شيئاً مادياً أو معنوياً وراء غضب شعبنا المكثف على سياسة الرجل.
نعم، وأؤكد أن الذي بين شعبنا وبين منهاج محمود عباس السياسي لا يسمح بالمهادنة إطلاقاً، ولا يأذن بالصمت، لأن آثار الجريمة البشعة التي يسعى أن يخفيها عباس لم تزل تثقب الصدر، وتنخر العظم، وتجرح الروح الفلسطينية، وللتأكيد سأذكر ستة نماذج:
1ـ قبل خمسة وعشرين عاماً تعلق ابن مدينة القدس الشاب محمود الصفدي بفتاته عطاف، لقد أحبها، وخطبها، واستعد كلاهما للزواج، ولكن الإسرائيليين اختطفوه في ليلة الزفاف، وترك لعطاف الصبر، لقد انتظرت عطاف عشر سنوات، قبل أن تفقد الأمل، وتتزوج من رجل غيره، وتترك قلبها معلقاً على حائط في السجن. فهل ذقت مرارة السجن يا محمود عباس؟.
2ـ قبل أكثر من ثلاثين عاماً ترك ابن مدينة بيت لحم الدكتور عمر الحروب، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، ترك خطيبته التي كانت تعمل مدرسة، بعد أن سجنه الإسرائيليون لمدة اثني عشر عاماً، ولكن قبل خروجه من السجن بفترة قصيرة، صارت خطيبته سجينة، وصدر بحقها حكم المؤبد؟ فأين محمود عباس من هذا الحب الذي جف على أسلاك السجن؟!.
3ـ قبل ثلاثين عاماً، واعد كريم يونس حبيبته بالزواج، وخرج في عملية فدائية لتحرير فلسطين، فهو يحمل الهوية الإسرائيلية، ويقيم في مدينة "عارة"، لم يكن يحلم كريم يونس بدولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، وإنما عمل فدائياً من أجل تحرير كل فلسطين، فأين محمود عباس من كريم يونس الذي يفتش في طيات قلبه عن حبيبته التي دخل أحفادها المدارس، بينما كريم يونس لما يزل سجيناً حتى يومنا هذا؟.
4ـ قبل عشرة أعوام، التحقت ابنه "جنين" قاهرة السعدي بزوجها المحكوم مؤبد، وتركت خمسة من أبنائها بلا أب وبلا أم، لقد تحسرت على فراق أبنائها، واحترق قلبها شوقا، حتى أكرمها الله بالحرية على يد رجال المقاومة في صفقة وفاء الأحرار، فهل تعرف عليها أبناؤها بعد الغياب؟ هل شمت رائحة الشوق في أنفاسهم؟ هل تحسست أجسادهم الطرية؟ هل قالت لهم: أين محمود عباس من مأساة الأمهات والآباء القابعين خلف الأسوار على أمل تحرير فلسطين؟.
5ـ منذ سبعة وعشرين عاماً تركت أنا أطفالي الخمسة مع أمهم في مدينة خان يونس، وجاءني الطفل السادس وأنا في السجن، خرجت بعد عشر سنوات تقريباً، ولكنني ما زلت أفتش عن أطفالي الستة حتى يومنا هذا! أين أطفالي يا محمود عباس؟ لقد سألت عنهم الأماكن، فلم أجد إلا شباباً وصبايا، ينتسبون لي بالاسم، بينما لم ينقطع حبل التواصل الوجداني بينك وبين أبنائك وأحفادك، يا أيها القائد، الذي لو مسه الضر من الإسرائيليين لما فاوضهم عشرين عاماً.
6ـ قبل خمسة وعشرين عاماً، التقيت مع الشيخ المقعد أحمد ياسين في سجن الرملة، قال لي الشهيد: إن اليهود تعمدوا تعذيب ابنه أمام عينيه، كي يعذبوه هو بشكل غير مباشر!.
من المؤكد أن لا علاقة مباشرة بين محمود عباس وبين المآسي التي ألحقها الإسرائيليون بالشعب الفلسطيني، وتشهد على ذلك قبلات محمود عباس الحارة على خد "أهود أولمرت" عشية حربه على غزة، وتشهد على ذلك أصابع محمود عباس اللدنة، التي تخلت عن الأسرى، وهي توقع على اتفاقية أوسلو 1993، ويشهد على ذلك لسان محمود عباس الذي وعد اليهود بأن يبطش بكل من يفكر بمقاومتهم، ووعده لليهود بأن لا يعود فلسطينياً إلى أرضه.
كاتب فلسطيني
د. فايز أبو شمالة
رُدَّ لي أطفالي يا محمود عباس 1575