التغيير هو سنة الله في الكون، فلا أنظمة ولا زعماء أبديين ولا مناصب ولا ظلم و لا ثروات أبدية، والله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم ولا الفساد. حيث قال ]إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ[ [القصص: 37] ، ]وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[ [المائدة : 64] ، ]إنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ[ [يونس: 81] ، ]ولا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ[ [القصص : 77].
لقد استبشر الناس في عموم اليمن وفي العالم العربي خيراً بالوحدة الاندماجية الفورية بين شطري اليمن- على الرغم من تحفظات البعض في ذلك الوقت- وظنَّوا أن اليمن الموحد سيستفيد من إيجابيات النظامين وسيتم تطوير الإدارة وتطوير القضاء وإقامة العدل، واحترام القوانين والأنظمة، ومحاربة الفساد، والمحافظة على ثروات الوطن والأمة، والقضاء على الفقر والبطالة، وتحسين حياة الناس المعيشية وتجسيد مبدأ الثواب والعقاب، وإنشاء جامعات تنشر نور المعرفة والعلم وتحارب الظلم والجهل والفساد.وبناء دولة مؤسسات، وديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتسعى لتحقيق تنمية شاملة وعادلة.
بيد أنّ ما حصل في الواقع بعد الوحدة في عام 1990م وبعد حرب صيف 1994م أشياء أخرى؛ إذ أزداد الظلم والفساد والرشوة، ودُمّر القضاء، وأُضعفت الجامعات على الرغم من زيادة عددها وتحولت إلى بؤر للفساد وضيعات خاصة، ونهب ثروات الوطن وتبذيرها، والاستدانة المستمرة، وسُرِّح آلاف من الشباب وهُمِّشت القوانين وحلت محلها الأثوار التي تذبح حتى وصلت ساحة البرلمان والجامعات، وشجعت الأعراف في حل قضايا الناس بما فيها القتل وأحكامها الجائرة من غير بحث وتحرٍّ، وتُرك بعض الأفراد ينفذون حكم الإعدام بعيداً عن القضاء وولي الأمر، واستمرار القتل وموت الأبرياء، ومشكلة الاختطاف إما لأجانب أو لمواطنين وتمت إدارة الأمور بطريقة غريبة وكأن اليمن ضيعة خاصة، على الرغم من وجود ما تسمى بمؤسسات وبرلمان.
عموماً تسيبت الأمور وزاد الظلم واستمر سوء أحوال الناس المعيشية. كما أهملت حدود اليمن وأصبحت شبه مفتوحة لدخول أي شيء كتهريب جميع الممنوعات تقريباً وغيرها وتتجه في الغالب إلى دول الجوار، وزاد تهريب الأطفال إلى السعودية، على الرغم من معاناة المغتربين في السعودية المستمرة لسنين ولم يجدوا مسئولين يبحثون معاناتهم مع أشقائنا السعوديين، هذه المعاناة التي أرى أن جلالة ملك المملكة لو أطلع عليها وعلى المظالم التي يعانون منها لأزالها.
والعديد من الناس في اليمن وخارجه يتكلمون ويكتبون عن هذه المآسي ولا من مجيب حتى وصل غالبية الناس في شطر اليمن الجنوبي إلى كره شديد للوحدة؛ لأنهم شعروا أنها السبب في معاناتهم ولم يدركوا أن السبب الحقيقي يَكمُن في تلك الممارسات الظالمة من قبل النظام طوال السنين الماضية.
لقد بكى رئيس الوزراء ألماً وحرقة مما يعانيه اليمن لعلمه وإحساسه أن اليمنيين يئنون سنين طويلة من المظالم والفقر والتخلف، وبكى ويبكي معه الكثيرون، في الوقت الذي دول مجاورة لنا حققت تطورات ملموسة، وأن اليمن بحاجة إلى قيادات مخلصة وأمينة وصادقة تضع مصلحة اليمن فوق مصالحها، وتعمل على النهوض بحياة اليمنيين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
وبفضل الله عزوجل تحَرَّكَ الشبابُ اليمني إلى ساحات التغيير كغيرها من دول الربيع العربي لإزالة الظلم في اليمن ثم انطلقت ثورة المؤسسات، مطالبين تغيير القيادات الفاسدة ورافق ذلك سفك دماء الأبرياء والبريئات في الساحات والمساجد وهم يطالبون بالحق والعدل والكرامة وإنهاء المظالم.
وقُدّمت المبادرة الخليجية من أشقاء حركهم دافع الدين والإخوة والجوار لحل مشكلة سفك دماء الأبرياء المطالبين بحقوقهم بصدور عارية، ثم أصبحت المبادرة الخليجية أممية بإجماع المجتمع الدولي عليها لنقل السلطة في اليمن بطريقة سلمية، غير أن هذه المبادرة لا تحتاج التسويف بل الحسم في التنفيذ السريع لأن هذا البطء في التنفيذ واستمرار انقسام المؤسسة الأمنية والعسكرية زاد الناس معاناة إلى معاناتهم من القتل المستمر والتخريب المتزايد والمترافق مع ظروف مطالبة التغيير، وانتشار القاعدة في بعض المناطق وتدمير مدن وتشريد ساكنيها ونزوحهم إلى محافظات أخرى، وزاد الفساد والإفساد، وقطع متكرر لخطوط التيار الكهربائي وما يترتب عليه من وفيات في المستشفيات وخسائر اقتصادية كبيرة، ومحاولات الاغتيال المتكررة لعناصر تحاول التغيير والإصلاح، وشباب لا يزال في السجون، ووضع سجون خاصة، واعتداء على سيادة الدولة باقتحام مبنى وزارة الداخلية وما سيترتب على ذلك في المستقبل. كل تلك المآسي لم تكشف العناصر المجرمة والمتهمين بقتل الأبرياء وإن كشفت لم تقدم أغلبها لمحاكمة عادلة، وذلك نتيجة الانقسام في المؤسسات الأمنية والعسكرية.
إن هذا الوضع المتدهور اليوم في اليمن له تأثيره الكبير ليس في حاضر ومستقبل اليمن، بل وفي حاضر ومستقبل دول الجوار، لأن الانفلات والانقسام يضعف الولاء للوطن، ويزيد في إهمال القوانين والأنظمة، وتسيب في الأعمال، وخوف المستثمرين ورأس المال وازدياد نهب الثروات، وتهريب الممنوعات وأجبرت شدة الحاجة تهريب الأطفال إلى دول الجوار.
ولهذا تأتي أهمية دعم ثورة الشباب والتغيير في اليمن من كل المخلصين وإنهاء الانقسام في المؤسسات الأمنية والعسكرية والتنفيذ السريع للمبادرة لأن ذلك يحقق الآتي:
1. بناء نظام ودولة تحترم حق الجوار وتحترم حقوق الإنسان، وتسعى لتحقيق تنمية شاملة وعادلة، وتسهم بفعالية في التكامل الاقتصادي العربي.
2. إنقاذ للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني والتعليمي، والحد من زيادة انتشار السلاح بما نُهب ويُنهب من معسكرات ومخازن حكومية. ووضع معالجات تسليمه للدولة. ووقف استيراد كل أنواع السلاح والمفرقعات النارية، وضبط الحدود، وتصفية المدن اليمنية من السلاح، وإنقاذ لليمن وللدول المجاورة من تهريب الممنوعات.
3. إنقاذ للقبائل اليمنية، فبدلاً من اللهث وراء اكتناز السلاح سيتحول هذا الجهد لتطوير حياتهم وحياة أسرهم المنهكة اقتصادياً ومحو أمية الأميين منهم وتعليم أبنائهم في ظل نظام تعليمي متطور مرتبط بتكنولوجيا العصر.
4. إنقاذ لما تبقى من الرأسمال الخاص واستمراره وتهيئة مناخ جاذب للاستثمارات.
5. التوجيه الصحيح لدعم المانحين، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم تبذيره، بوقوعه في أيادي الفاسدين.
6. إنقاذ لوحدة اليمن، إذا تخلى الجميع عن السلاح وأصبح بيد الدولة فقط، ليكون الجميع أمام القانون سواء.
وينبغي التأكيد على أن ازدهار ورقي اليمن وتنمية الإنسان يرتبط بوجود قيادات صادقة ومخلصة وإرادة صادقة للبناء، ومؤسسات فاعلة، وقوانين ولوائح منظمة، وقضاء عادل ومستقل، وشفافية، ومؤسسات تعليمية تواكب التطورات العلمية المتسارعة في العالم، ومحاسبة المقصرين في تأدية الواجبات المناطة بهم، والاستفادة من التجارب المتقدمة في شتى جوانب الحياة.
وفي الختام أدعو الله الكريم أن يحفظ اليمن وأن يرشد قادتها وعلماءها إلى ما فيه مصلحة اليمن واليمنيين، وأن نتقي الله ونحافظ على مبدأ ربط الأقوال بالأفعال، فإنّ كل قول يخالف العمل يبذر بذور النفاق في القلوب، وكما قال الله سبحانه وتعالى ]كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ[.
× عميد سابق لكلية الاقتصاد بجامعة عدن
د. سالم مبارك سالم
عواقب استمرار انقسام الجيش والأمن 1686