النظام السابق كان يحمل مشروع خراب لمصر كدولة، فهو لم يترك مجال من مجالات الحياة إلا وعمل على إفساده وتدميره، حتى مكانة مصر وقوتها السياسية لم تسلم من ذلك سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، حيث رهن أمن مصر القومي ومكانتها وقوتها بالأمن القومي الأمريكي والصهيوني، بل نستطيع القول إنه ضحى به من أجل الأمن القومي الأمريكي والصهيوني، حيث تم تقزيم مصر وجعلها آلية من آليات الولايات المجرمة الأمريكية والكيان غير الشرعي في فلسطين المحتلة إلى حين لتنفيذ سياساتهما دون النظر إلى مصلحة مصر أو أمنها القومي الذي تعرض لانتكاسة كبيرة في هذا العهد الفاسد المفسد، وكان النظام ورموزه يفعلون ذلك عن عمد، وفى المجال الاقتصادي تم بيع هياكل مصر الاقتصادية للشركات اليهودية والأمريكية بثمن بخس، وفتح الاستثمار فيها لأشد الناس عداوة.
ورغم كل ما سلف وأكثر مما حدث في كافة المجالات الأخرى الثقافية والاجتماعية، والعسكرية حيث تم تأميم الجيش المصري لصالح حماية أمن يهود في فلسطين المحتلة، وذلك عن طريق المعونة العسكرية التي كانت تتحكم في إستراتيجية الجيش المصري دفاعاً وهجوما وتشكيلا وتكوينا، ومع ذلك جاءت أحكام محكمة الجنايات ضد رأس النظام ونجليه ورموز نظامه مخيبة للآمال بل وصادمة للرأي العام في مصر، ومخالفة لأبجديات القانون وقواعده العامة والآمرة، حتى أنها هوجمت في مصر هجوما شديدا، من كافة المستويات، وكانت محل انتقادات كبيرة من القانونين في مصر الذي قالوا أن هذه الأحكام ليست قانونية قضائية، بل هي أحكام سياسية، مما قد يتيح لهم الإفلات من العقاب عن جرائمهم الخطيرة التي أصابت مصر وشعبها في مقتل وخاصة الصحة، حيث انتشرت أخطر الأمراض نتيجة المواد المتسرطنة التي كانوا يدخلونها مصر تحت سمع وبصر النظام المقبور.
وتلافياً وعملاً لمنعهم من الإفلات من العقاب على جرائمهم التي أقل عقوبة لها الإعدام، هناك جرائم يجب محاكمتهم عليها لم تنظر أما القضاء، هذه الجرائم هي الجريمة المنظمة التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر2000م، وهذه الجريمة تقع من جماعة إجرامية منظمة، وهى كما ورد تعريفها في المادة الثانية الفقرة (أ) من الاتفاقية السابقة (يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية، من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى) وهذا ينطبق على كافة رموز النظام السابق فقد تضافرت جهودهم ومجهودهم لارتكاب جرائم خطيرة في حق الشعب المصري، بتكوين تشكيل عصابي منظم لارتكاب جرائم خطيرة في حق الشعب المصري.
ويؤكد ذلك الفقرتين (ب و ج) من المادة السابقة التي عرفت الجريمة الخطيرة بأنها الجريمة التي يعاقب عليها بأكثر من أربع سنوات، أي طبقاً للقانون الجنائي المصري هي الجنايات وليست الجنح لأن عقوبة الأخير القصوى ثلاث سنوات، والفقرة (ج) عرفت الجماعة الإجرامية المنظمة بأنها ( جماعة غير مشكلة عشوائيا لغرض الارتكاب الفوري لجرم ما، ولا يلزم أن تكون لأعضائها أدوار محددة رسميا، أو أن تستمر عضويتهم فيها أو أن تكون ذات هيكل تنظيمي) وهذا ما ينطبق على رموز النظام السابق.
وقد بينت الاتفاقية نطاق تطبيقها على الجرائم في المادة المادتين الخامسة والسادسة، حيث نصت المادة الخامسة على ( 1 - تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية جنائيا عندما تُرتكب عمداً: (أ) أي من الفعلين التاليين أو كلاهما، باعتبارهما فعلين جنائيين متميزين عن الجرائم التي تنطوي على الشروع في النشاط الإجرامي أو إتمامه:'1، الاتفاق مع شخص آخر أو أكثر على ارتكاب جريمة خطيرة لغرض له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحصول على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى وينطوي، حيثما يشترط القانون الداخلي ذلك، على فعل يقوم به أحد المشاركين يساعد على تنفيذ الاتفاق، أو تكون ضالعة فيه جماعة إجرامية منظمة؛2، قيام الشخص، عن علم بهدف جماعة إجرامية منظمة ونشاطها الإجرامي العام أو بعزمها على ارتكاب الجرائم المعنية، بدور فاعل في:أ - الأنشطة الإجرامية للجماعة الإجرامية المنظمة؛ ب- أي أنشطة أخرى تضطلع بها الجماعة الإجرامية، مع علمه بأن مشاركته ستسهم في تحقيق الهدف الإجرامي المبين أعلاه؛ (ب) تنظيم ارتكاب جريمة خطيرة تكون ضالعة فيها جماعة إجرامية منظمة، أو الإشراف أو المساعدة أو التحريض عليه أو تيسيره أو إسداء المشورة بشأنه. 2 - يستدل على العلم أو القصد أو الهدف أو الغرض أو الاتفاق، المشار إليها جميعا في الفقرة 1 من هذه المادة، من الملابسات الوقائعية الموضوعية.)
تنص هذه المادة على جريمة الاتفاق على ارتكاب جريمة للحصول على منفعة مالية، وهذا ما حدث من الوزراء الذين تولوا العمل في حكومات النظام السابق الذين كانوا على علم بارتكاب رأس النظام ونجليه لجرائم خطيرة ومع ذلك ساهموا وسهلوا لهم ارتكاب هذه الجرائم الخطيرة، مما يجعلهم فاعلين أصليين في جريمة تكوين تشكيل إجرامي بقصد ارتكاب جرائم خطيرة، منها ما ظهر بعد الثورة من اختلاس وسرقة أموال الشعب المصري، ومنها ما هو حتى الآن لم يكشف عنه، لذلك في الإمكان محاكمتهم عن هذه الجرائم وخاصة المتهم مبارك ونجليه عن هذه الجريمة الخطيرة وهذا يساعد في سرعة استرداد الأموال المهربة من مصر.
والمادة السادسة من الاتفاقية جرمت غسل عائدات الجرائم فنصت على (1 - تعتمد كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية جنائيا عندما ترتكب عمدا:(أ) '1، تحويل الممتلكات أو نقلها، مع العلم بأنها عائدات جرائم، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي الذي تأتت منه على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته؛2، إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها عائدات جرائم؛ (ب) ورهنا بالمفاهيم الأساسية لنظامها القانوني:1، اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم، وقت تلقيها، بأنها عائدات جرائم؛
'2، المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة، أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها، ومحاولة ارتكابها والمساعدة والتحريض على ذلك وتسهيله وإسداء المشورة بشأنه.2 - لأغراض تنفيذ أو تطبيق الفقرة 1 من هذه المادة:(أ) تسعى كل دولة طرف إلى تطبيق الفقرة 1 من هذه المادة على أوسع مجموعة من الجرائم الأصلية.. (ب) تدرج كل دولة طرف في عداد الجرائم الأصلية كل جريمة خطيرة، حسب التعريف الوارد في المادة 2 من هذه الاتفاقية، والأفعال المجرمة وفقا للمواد 5 و8 و23 من هذه الاتفاقية.).
جريمة غسل الأموال المسروقة والمنهوبة في مصر وإدخالها في مشاريع تدر عائدا عليهم تعتبر من الجرائم التي لم يحاكم عليها المتهم مبارك ونجليه ورموز نظامه هذه الأموال التي هربت من مصر ومنها ما تم غسله في مصر، مما يستلزم معه تقديمهم للمحاكمة بجريمة جديدة لم يحاكموا عليها هي جريمة غسل الأموال التي سرقوها ونهبوها من أموال الشعب المصري المجني عليه في هذه الجرائم، علما بأن الدومين العام لا يخضع للتقادم المسقط أو المكسب.
وأيضا نصت المادة الثامنة على جريمة أخرى هي جريمة الفساد (1 - تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية جنائياً عندما ترتكب عمدا:(أ) وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه اياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص آخر أو هيئة أخرى، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما ضمن نطاق ممارسته مهامه الرسمية..(ب) التماس موظف عمومي أو قبوله، بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص آخر أو هيئة أخرى، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما ضمن نطاق ممارسته مهامه الرسمية.2- تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم السلوك المشار إليه في الفقرة 1 من هذه المادة الذي يكون ضالعاً فيه موظف عمومي أجنبي أو موظف مدني دولي.. وبالمثل، تنظر كل دولة طرف في تجريم أشكال الفساد الأخرى جنائياً).
تطبيقاً لنص هذه المادة ارتكب المتهم مبارك ونجليه وزوجته فضلا عن رموز نظامه جريمة الفساد، وهى من الجرائم المتعددة التي لم يحاكم عنها هؤلاء أمام القضاء، ويمكن أيضاً محاكمتهم طبقا للقانون الغدر بجريمة غدر،لذلك يتطلب الأمر محاكمتهم عن هذه الجريمة والحكم عليهم فيها بحكم جنائي نهائي يساعدنا جداً في عودة الأموال المهربة بالخارج، ويدعم موقف مصر اقتصادياً بدلاً من الوقوع في شرك صندوق النقد الدولي، يمنع ذلك عن مصر خطر الاستدانة من الخارج ويكفيها سؤال الغير.
وقد نصت المادة (23) على جريمة أخرى هي عرقلة سير العدالة فنصت على (تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية جنائيا، عندما ترتكب عمدا: (أ) استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو الوعد بمزية غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتحريض على الإدلاء بشهادة زور أو للتدخل في الإدلاء بالشهادة أو تقديم الأدلة في إجراءات تتعلق بارتكاب جرائم مشمولة بهذه الاتفاقية؛ (بـ(استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب للتدخل في ممارسة أي موظف قضائي أو موظف معني بإنفاذ القانون مهامه الرسمية في إجراءات تتعلق بارتكاب جرائم مشمولة بهذه الاتفاقية. وليس في هذه الفقرة الفرعية ما يمس حق الدول الأطراف في أن تكون لديها تشريعات تحمي فئات أخرى من الموظفين العموميين).
هذه جريمة جديدة لم تعرض بعد على القضاء تتطلب محاكمة المتهم مبارك ونجليه ورموز نظامه عليها، وهى جريمة عرقلة سير العدالة والقضاء المصري ممتلئ بالعديد من القضايا التي تدخل فيها النظام السابق تدخلا سافرا، مما منع العدالة ليس من السير فقط بل من الحياة أيضا.
تلك بعض الجرائم التي لم تعرض على القضاء المصري ولم يحاكم عنها المتهم مبارك ونجليه وزوجته ورموز نظامه، لذلك نهيب بالمستشار احمد مكي وزير العدل العمل على تحويلهم للقضاء لمحاكمتهم على هذه الجرائم، علما بأن المستندات الدالة على ارتكابهم هذه الجرائم موجودة كما أنها جرائم من السهل أثباتها، بل هي واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، كما نهيب بالمستشار الدكتور النائب العام أعداد لائحة اتهام جديدة وتقديم المتهمين للقضاء في أقرب وقت حتى ندعم حق مصر في استعادة هذه الأموال سواء الموجودة بالداخل أو الموجودة بمصر، علما بأن يمكن من خلال هذه الجرائم محاكمة بعض رجال الأعمال الفاسدين الذين استولوا على أراضى الدولة وأموالها بالاشتراك مع هؤلاء المتهمين.
× خبير في القانون الدولي
خاص بأخبار اليوم
السيد مصطفى أبو الخير
جرائم لم يحاكم عليها نظام مبارك ورموزه 2391