في تطور مفاجئ أعلن الحزب الديمقراطي الأمريكي عن إضافة فقرة (القدس عاصمة لإسرائيل) لبرنامجه الإنتخابى، وذلك بعد أخذ رأى المندوبين ثلاث مرات، علماً بأن صوت الرفض كان أعلى من صوت الموافقة على ذلك من المندوبين حيث تمت إعادة التصويت ثلاث مرات، وفى النهاية تمت إضافة العبارة للبرنامج الأنتخابى لاوباما في الانتخابات الأمريكية القادمة لفترة رئاسة (20012- 20016م) ويدل ذلك دلالة واضحة على عدة أسباب سياسية منها طمأنة الكيان الصهيوني على دعم الولايات الأمريكية له، خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة كانت كنزاً استراتيجياً لحمايته وخاصة مصر، والوضع في سوريا لا يسير في صالحها.
وضعف موقف الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية لفشل سياسة أوباما الاقتصادية، حيث زاد الدين العام الأمريكي ووصل لأكثر من 16 تريليون دولار أكبر من إجمالي الناتج المحلى الأمريكي هو 15 تريليون دولار، ويفوق سقف الدين العام الذي قرره الكونجرس الأمريكي، مما يعنى أن الولايات المتحدة دولة مفلسة، وإنقاذها يكون إما عن طريق الأموال العربية أو عن طريق الدعم الصهيوني ليهود أمريكا،كما أنه موقف انتخابى ومزايدة على المرشح الجمهوري مت رومني الذي أثبتت استطلاعات الرأي تقدمه على أوباما شعبياً، وبعد تصريحات المرشح الجمهوري الذي زايد فيها على أوباما، ولكن الأمر يجب ألا يؤخذ على أنه دعاية انتخابيه فقط بل يجب أخذه على محمل الجد، والعمل على كافة الأصعدة الإقليمية والعالمية، لمنع تنفيذه بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، ويجب أن يكون التحرك سياسياً وقانونياً.
فالوضع القانوني للقدس شرقه وغربه في القانون الدولي أنها أرض محتلة، وما حدث من الحزب الديمقراطي الأمريكي موقف سياسي وليس قانوني، لذلك لا يغير من الطبيعة القانونية للقدس الشريف شرقه وغربه في القانون الدولي ونبين ذلك في الآتي:
فلسطين من النهر إلى البحر أرض محتلة، والاحتلال في القانون الدولي المعاصر جريمة، وعمل مادي لا يرتب القانون عليه أي أثر قانوني، ولا يجوز لأشخاص وآليات القانون الدولي من الدول والمنظمات الدولية الاتفاق على مخالفة ذلك، لأن ذلك يكون باطل بطلانا مطلقا حتى لو كان هذا الاتفاق من أطراف الموضوع أنفسهم، والاحتلال لا ينقل السيادة وتظل السيادة لأصحاب الأرض، لذلك جعل القانون الدولي الاحتلال مؤقت مهما طال الزمن وأنه إلى زوال، ويستند ذلك على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وهو من المبادئ العامة/ الآمرة في القانون الدولي، لا يجوز مخالفته ولا الاتفاق على ذلك، لذلك فوجود يهود في وعلى أرض فلسطين - مهما طال – مؤقت وليس دائماً، وهذا المبدأ ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242 والقرار رقم 337 بأن القوة تحمي الحق ولا تخلقه.
إن قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947م مشوب بالانعدام لمخالفته للمادة الأولى الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، ويخالف أيضاً مبدأ احترام الحقوق المتساوية للشعوب، ومبدأ حق المساواة في السيادة بين الدول الوارد في المادة الثانية الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وتلك من المبادئ العامة / الآمرة في القانون الدولي التي لا يجوز مخالفتها ولا حتى الاتفاق على مخالفتها من قبل الأطراف ويقع كل اتفاق منعدماً، أي لا يرتب عليه القانون الدولي أي أثر قانوني، بل هو فعل مادي يقف عند حده، مما يعني انعدام أي أثر قانوني لتصريح الحزب الديمقراطي الأمريكي حول القدس.
بل الأكثر من ذلك أن مجلس الأمن والجمعية العامة ألغيا قرار التقسيم، حيث قرر مجلس الأمن بتاريخ 19/ 3/ 1948م بالقرار رقم 27 وأفاد بأن مجلس الأمن ليس لديه الاستعداد لتنفيذ قرار التقسيم رقم 181 ويوصي بإعادة القضية الفلسطينية للجمعية العامة وفرض وصاية مؤقتة على فلسطين تحت وصاية مجلس الأمن ولكن هذا الإجراء لم ينفذ كلياً أو جزئياً، إضافة إلى ذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/ 5/ 1948م قرارها الثاني المتضمن إعفاء لجنة فلسطين من أية مسؤوليات, نصت عليها المادة 2 من قرار التقسيم 181 والعمل على إجراء تسوية سلمية لمستقبل الوضع في فلسطين. وهو القرار الذي أوصى بتدويل مدينة القدس وجعلها تحت لجنة مشكلة من الأمم المتحدة لمدة عشر سنوات ثم ينظر في أمرها بعدها ولكن طلب القرار في مضمونة أن تكون القدس مدينة دولية.
علما بأن الكيان الصهيوني قبل عضوا بالأمم المتحدة بناء على قرار التقسيم الملغي، وحدوده ومساحته في الأمم المتحدة هي الواردة في قرار التقسيم، بناء على ذلك صدرت فتوى الجدار العازل باعتبار الكيان الصهيوني خارج حدود قرار التقسيم قوة احتلال، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات علي مدار أكثر من عشر سنوات متتالية بطرد الكيان الإسرائيلي من عضوية الأمم المتحدة وطالبت بفرض حصار عسكري وسياسي واقتصادي هو القرار(37/123) في 16/12/1982م، ولكن الدول العربية والإسلامية تنازلت عن هذا القرار وغيره من القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، في مقابل وعود زائفة باطلة باستمرار مسيرة الاستسلام، لتثبيت الكيان الإسرائيلي وتمكينه من فلسطين كلها من النهر إلى البحر.
لذلك يجب تفعيل آليات القانون الدولي التي تحافظ على الحقوق العربية في فلسطين المحتلة.. وننتهي إلى أن ما صدر عن الحزب الديمقراطي الأمريكي هو موقف سياسي وليس قانوني لا يغير الوضع القانوني للقدس في القانون الدولي، وعلى الدول العربية والإسلامية اتخاذ موقف حازم.
خبير في القانون الدولي
خاص بأخبار اليوم
السيد مصطفى أبو الخير
الحزب الديمقراطي الأمريكي والقدس.. رؤية قانونية سياسية 2266