يشهد الشارع السياسي المصري منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن حراكاً وتحركات وتفاعلات بين كافة ألوان الطيف السياسي في مصر، فهو ما بين شد وجذب ومد وجزر بين تياراته، تعلوها وطنية في أعلى درجاتها، حالة فريدة من نوعها في الشارع المصري، حيث كان هذا الشارع يجرى معصوب العينين معطل العقل وراء نجوم الفن والكرة، فكان مخدراً مغيباً بفعل النظام السابق الفاسد، وتعد هذه الحالة الفريدة، من أهم انجازات ثورة الخامس والعشرين من يناير، واستمرار ذلك طوال الفترة الانتقالية بذات الزخم والفعالية، رغم كافة المحاولات التي بذلت واستخدمت كل الطرق والآليات لإطفاء جذوة الوطنية المتقدة والمشتعلة طوال هذه المدة التي ليست بالقصيرة، ليؤكد على أصالة هذا الشعب المصري وعراقته، وعلى أنه يدرك تمام الإدراك، ويعرف تمام المعرفة، الوطني من العميل والمصلح من المفسد.
ولم يترك النظام السابق الفاسد وفلوفه وسيلة أو آلية لوقف هذا المد الثوري أو سرقته أو توجيهه للداخل كي يرتد لصدور الشعب، إلا واستخدمتها، فكان الانفلات الأمني الممنهج، ثم الأزمات الاقتصادية المفتعلة، حتى القتل في الشوارع على الهوية، وممارسة كافة أنواع الضغط على الشعب المصري، كما حاولوا عمل نخبة مزيفة تضع السم في الدسم، وأحزاب ظهرت، وجرائد كتبت، وإعلام كذب، وفضائيات أنشئت لذلك خصيصا، وقوانين ظهرت بليل وأحكام فصلت وأصدرت، وإعلانات دستورية خمسة كتبت بليل وصدرت، ومجلس شعب حل رغم أنه منتخب انتخاباً حراً نزيهاً لأول مرة في تاريخ مصر، بحكم منعدم فصل ثم صدر، كي يكفر الشعب المصري بالثورة والثوار، ولكن كل ذلك فشل فشلاً ذريعاً في مهتمته، بل حدث العكس تماماً وزاد الشعب التفافا حول الثورة والثوار.
وجاء استفتاء الثلاثين من مارس عام 2011م، ليبين خريطة الشارع السياسي المصري، ويعلن حقيقة وقوة كل تيار سياسي في هذا الشارع، ويظهر حقيقة كل التيارات والأحزاب السياسية التي كانت موجودة على الساحة، فقد بان هشاشتها وأنها ليس لها أي وجود في هذا الشارع، وأنها أحزاب وتيارات كرتونية، لا توجد إلا في مقراتها فقط، وأنها كانت تعمل داخل منظومة النظام السابق الفاسد، على أساس أنها جزء منه، وتبين صدق المقولة التي كانت تتردد أن المعارضة جزء من النظام.
وكان من أهم ما أوضحته نتيجة هذا الاستفتاء، أن التيار السياسي الإسلامي هو القوة الحقيقية التي تمثل فعلاً المعارضة، وأنها تملك قوة لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها، في الشارع، وأن قاعدتها صلبة وليست مرنة، وأنها القادرة على تحريك وتوجيه الشارع إلى الوجهة التي تريدنها، رغم كل ما حدث لإفراد هذا التيار من سجن وقتل وتشريد ومحاكمات عسكرية ومدنية، وأتضح أن كافة الضربات التي تلقاها هذا التيار زادت من قوته وعمقته أكثر في نفوس وعقول الشعب المصري المتدين بطبعه، وأن كافة محاولات التشويه والتخويف (الإسلاموفيا) التخوين، التي بدأت منذ أكثر من ستة عقود لم تصل لهدفها وغايتها، بل حدث العكس تماما.
وقد أكدت ذلك انتخابات مجلسي الشعب والشورى، حيث حصل التيار السياسي الإسلامي بكافة ألوانه على أكثر من سبعين في المائة من مقاعد المجلسين، في حين فشلت كافة التيارات الأخرى العلمانية واللبيرالية والناصرية في إثبات وجودها على أرض الشارع السياسي، وأتضح أن القوة التصوتية لنصارى مصر لا يمكن التعويل عليها لضعفها وقلة عددها، فضلاً عن أنها ليست صلبة ومتماسكة، بل منها من أختار التيار السياسي الإسلامي، وتبين أن الأحزاب التي كانت تنطق باسم الثورة وتحتكر الحديث عنها، هامشية وليست لها على أرض الواقع وجود أو تأثير، رغم أن الفضائيات أفسحت لها أبوابها على مصراعيها ليقولوا ما يريدون، ولكن دون جدوى، فكان كل ذلك كزواج الدمى لا ينجب أطفالاً بل أوهاماً.
وأكدت تلك الحقيقة الانتخابات الرئاسية بجولتيها الأولى والإعادة، وحصل التيار السياسي الإسلامي بمرشحيه الثلاثة الدكاترة العوا ومحمد مرسى وأبو الفتوح، على حوالي خمسين في المائة من جملة الأصوات، وفى جولة الإعادة ورغم وقوف فلول النظام السابق مع مرشحهم شفيق، وبذل كل مرتخص وغال لتمريره كما تم تمريره في الجولة الأولى، إلا أن كافة المحاولات فشلت في تمرير شفيق في جولة الإعادة، وفاز مرشح الثورة والتيار الإسلامي بالرئاسة، رغم أنف فلول النظام السابق الفاسد ومن والاهم، من بعض التيارات السياسية المصرية.
وكان من أبجديات الوطنية والديمقراطية أن تقف كافة القوى والتيارات الأحزاب السياسية، وراء الفائز في الانتخابات احتراماً لها ولنتيجتها وللديمقراطية، التي يقولون ليل نهار أنها دينهم وعقيدتهم، إلا أننا رأينا غير ذلك، رأينا الكثير من هؤلاء تقف ليس في صفوف المعارضة للإصلاح، بل اخترعت مسمى لم تعرفه النظم السياسية في العالم هو (التيار الثالث)، فقد اجتمع (عدد من قيادات وممثلي الأحزاب السياسية والقوى المدنية في إطار المشاورات حول سبل تأسيس تيار ثالث بديل وتشكيل جبهة سياسية مدنية وطنية واسعة تنسق مواقفها السياسية وتوحد الموقف).
وزعم البعض أن الفرق بين الدكتور مرسى والفريق شفيق أقل من مليون صوت يعتبر من شارع من شوارع القاهرة، أي أن شرعيته غير كاملة، وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم، فقد فاز أولاند برئاسة فرنسا بفارق واحد في المائة، ولم يقل أحد من الفرنسيين هذا، والرئيس الأمريكي السابق بوش الابن فاز بولايته الثانية بفارق (38) صوتاً عن منافسه، ولم نسمع هذا الكلام، بل وقف الشعب الأمريكي كله معه، فالشرعية الدستورية للفائز دون النظر لعدد الأصوات التي حصل عليها، ويجب وقوف الشعب كله معه وخلفه.
المطلوب من كافة التيارات والأحزاب والقوى السياسية في مصر، أن تقف كالبنيان المرصوص خلف رئيس الجمهورية المنتخب كأول رئيس مدني مصري في التاريخ، تعيينه في مهمته الخطيرة، لأن التحديات كبيرة وخطيرة، تقف لتدعمه إن صلح وأصلح، أو تقومه أن أخطأ، وقد طلب الرئيس ذلك صراحة بكل خطاباته، ولم يستثن تياراً سياسياً أو طائفة أو حزب بل طالب كل المصريين العمل سوياً لنهضة مصر، واستعادة مكانتها وقوتها في محيطها الإقليمي والعالمي، إن خطابات الرئيس المنتخب أعادت الثقة لكثير من الشعب المصري بكل طوائفه وتياراته وأعلنوا وقوفهم معه وخلفه كي تعود لمصر عزتها ومجدها، ومع مرور الأيام سوف يثبت الشعب المصري أنه قادر على كافة عبور الأزمات والتحديات.
فائد دحان
السيد مصطفى أبو الخير
دور التيارات السياسية في الشارع السياسي المصري 2201