لا أجد تفسيراً يقنعني إزاء ظاهرة أضحت طوفاناً أو كالسيل العرمرم، عندما وجد الكثيرون أنفسهم يمخرون العباب بغية الوصول إلى ضفة المناصب والرتب والمراتب، يتهافتون تهافت الفراشات إلى الضوء وتدافع الأنعام العطشى إلى الماء
نحن الآن أمام حالة جنون هستيري في طلب المناصب ومراكز السلطة والمسؤولية بصورة لم يسبق لها مثيل وكأننا نعيش حالة وباء سلطوي سريع العدوى ينتشر بالمصافحة - بالمناسبة قيل إن اليمنيين أول من اخترع عادة المصافحة - وكذا العدوى بالعطس أو استخدام أواني الشرب والطعام وكل ما له علاقة بأسباب الانتشار والعدوى
(جنون العظمة) بات معروفاً لدى معظم القادة العرب بالذات الذين تصنموا وقضوا ثلثي حياتهم في كراسي الحكم "أما" التطلع إلى البقرة الحلوب.
(مناصب الحكومة) فهذا يفوق في انتشاره جنون البقر وأنفلونزا الطيور والخنازير مجتمعة مما يجعلنا أمام ظاهرة غير مسبوقة وجديرة بالتفسير والتحليل والدراسة.
ومن تكرار مصطلح (الزعيم) وترديده كل لحظة وكل ساعة في قنوات وإذاعات وصحف ومطبوعات، فالخشية من أن ينتابنا فيروس جنون الزعامة والزعم كما لو كنا زعماء في (زعيمة) مهترئة تسير على شراع منها لك حتى لم نجد في منصب الرئيس اليوم ما يستحق التطلع والإغراء والمجازفة أو لم تكن عليه العين مفتوحة كما كان من قبل.
تصوروا كم هي درجات الوكلاء في وزارة كوزارة الإدارة المحلية مثلاً، فهي أقرب إلى تحقيق رقم قياسي عالمي سيحويه كتاب (جينس) حتى ليقال وزارة المليون وكيل وحجتي في ذلك حين أصيبت أبين بانتفاخ شديد وصارت حبلى بالوكلاء والمستشارين حتى تناثرت أشلاء بكراسي جحافل الوكلاء قبل أن تتفجر بمفخخات القاعدة وهم الذين كانوا أول الهاربين والمغادرين إلى عدن حين حلت بأبين وبأهلها الطيبين الكارثة وكأنما شيء لم يحدث أو يتغير في سلوك هؤلاء ومعاملاتهم، فما تزال أبواب المال لهم مفتوحة، بل أن ظروف الحرب على أبين وفرت لبعضهم فرص ذهبية لا تعوض ونحن هنا لا نحسدهم أو كما قال الشيخ صادق الأحمر مؤخراً في مقابلته مع قناة السعيدة (ما حد يكره الخير لصحابه) وفي خضم عنفوان الثورة في اليمن لم يجد (الزعيم) صالح من تفسير ما يحدث ليس أكثر من حسد ويا له من حسد!! وكي تبلى عيون الحساد بالعمى لم يجد قضاضة في وصف كرسي الزعامة بكونه (كرسي من نار)، فكان كذلك لمن يحاول الإقتراب منه طيلة 33 عاماً قضاها في مصارعة طواحين الهواء والرقص على رؤوس الثعابين وتوسع شبكات الفساد وجحور الفيران والقوارض
هذا في حال السلطة وشهوة الحكم والتسلط، فما بالنا بهذا المرض يصيب الحاكم الذي صار معارضاً والمعارض الذي صار حاكماً، فكأنما الكل في شهوة الحكم والسيطرة سواء. داء يصيب - السليم والملدوغ - البصير وفاقد البصيرة المهم واذا كان البعض قد انتابه جنون الكراسي، فهناك في المقابل من انتابهم (جنون الميكروفون)، فحين تزدحم المهرجانات في الساحات لابد أن ترى من يصيبهم الهوس وصرعات الزار إلى أن يقف خلف (الميك) أو بجانبه حتى ليلقي خطبة شعواء أو كيف ما كانت المهم أن يظفر ظافراً ب(الميكرفون) بعد عناء ومشقة في النفس ليظن فوزه بالميك يعني فوزه بشهوة الحكم والتسلط وداء الأنا، يلوك عبارات فيها من الوحدة أو الحراك وكله بمعايير الوطنية إن شئتم والحق أقول لكم هناك من جادت لهم شعارات الوطنية والثورة والدين بالدجاجة التي تبيض ذهباً
الوطنية يا سادة ليست شعارات براقة ولا خطابات رنانة بميكروفونات طنانه الروح الوطنية يجسدها صدق المواقف وإنكار الذات والنأي عن الأنانية المفرطة، لا بل أنها روح الإيثار والتضحية والقدوة الحسنة والثبات في المواقف والبذل والسهر وتجسيد القيم الثورية والإنسانية العظيمة.
تغريدة
جاري العزيز عبد الرب بلغ به العمر عتياً وهو الرجل الستيني وقد تشبع طوال ثلاثة عقود ونيف حتى الثمالة بروح الوطنية التي جسدها بالعمل الجماهيري والطوعي المجاني من خلال إسهاماته في بناء المدارس وشق الطرقات الجبلية والذود عن حمى وطنه من خلال دورات وصولات (المليشيا الشعبية والدفاع الشعبي) لترسيخ دعائم دولة الجنوب والدفاع عنها بروح وطنية متقدة وعزيمة مفعمة بالآمال والطموح (عبد الرب) ومثله الكثيرون من أقرانه وجد نفسه اليوم على ضفة الحرمان والجحود فلم تشفع له وطنيته حتى بالحصول ولو على إعانة الرعاية الاجتماعية، فما بالك براتب شهري يعينه على ملمات الدهر وهو الذي أجرى عملية للقلب المفتوح وأخرى لانزلاق غضروفي في الخارج ومع كل هذا ما تزال روح النكتة تتملكه يحيكها ببراعة وفطنة وبداهة قلما تجدها عند آخرين، فكانت رصيده الاحتياطي عندما تدافع المحبون لروحه المرحة لإنقاذه حين ألمت به نوائب الدهر
بعدما (العيال كبرت) في عهد الوحدة.وذات يوم جلب معه زوج من الدجاج المتجمد إلى بيته وحين حان وقت الغداء تحلقت الأسرة مجتمعة إلا من بعض أبنائه الشباب الذين تواروا وقد ذهبوا يبحثون عن ماركة الدجاج، مشترطين أن تكون من دجاج (الوطنية) لم يكن لصاحبنا علم بهذه النوعية يومها وكل ما يعرفه أن الدجاج المجمد هي ماركات فرنسية أو برازيلية أو نحو ذلك وفي حيرة سأل أم الأولاد عن سبب تأخرهم، فأجابته يريدون التأكد هل هي (الوطنية ) ولم تذكر اسم الدجاج فزادت حيرته عن إقحام الوطنية في هكذا موقف وإلى أن وقف نجله الشاب يشرح له فوائد الوطنية (الدجاج) بكونها مذبوحة على الطريقة الإسلامية...الخ
انفجر غاضباً في وجه الممتنعين والمتحلقين حول مائدة الغداء "ليزأر" بصوته قائلاً 30 عاماً من الوطنية واليوم صارت دجاجة مذبوحة وعلى الطريقة الإسلامية.
أحمد يسلم صالح
الدجاجة الوطنية 1917