في بلادنا للفساد طقوس وشعائر لا أثر لها في قواميس الفساد الدولي وهو محل حيرة وتساؤل الدول المانحة والداعمة التي ما فتئت تؤجل المؤتمر تلو المؤتمر واجتماعاً تلو آخر دون الخروج برؤية واضحة لما اجتمعت من أجله وحتى مع استعانة تلك الدول بفطاحلة الاقتصاد وبكبار الخبراء في المجال التنموي والاقتصادي لمحاولة رسم معالم وأبعاد واضحة لمنظومة الفساد في بلادنا والتي تبتلع مليارات المانحين كثقب أسود ولكن محاولاتهم باءت بالفشل حتى أن أحد مندوبي تلك الدول علق ساخراً في أحد المؤتمرات بأنهم كادوا يعلنون اليمن مثلث برمودا آخر بسبب تلاشي واختفاء المساعدات والمعونات التي قدمتها تلك الدول المانحة في شتى المجالات منذ الحرب الباردة وحتى يومنا هذا !!
حتى الأبحاث والدراسات والتقارير التي أجرتها وتجريها الدول المانحة والداعمة وقفت عاجزة وقاصرة عما يحدث في بلادنا من نوع متطور من الفساد العصي الفهم كأنه طلاسم يصعب فك شفرتها !!
والمسألة ببساطه أن الفساد في بلادنا فن وإبداع لم تدركه عقولهم ولم تكتشفه علومهم الحديثة فهم لم يسمعوا قط عن مساعدات طبية تقدم لدولة ما فتفسد وتنتهي صلاحيتها في المخازن وتنتقل المعدات الطبية بقدرة قادر من مستشفيات الحكومة إلى المستشفيات الخاصة لتروج تجارة الأدوية المزورة وتغرق الأسواق بها ولم يستوعبوا أبداً أن ثمة بلد في العالم يحارب التعليم الحكومي ليدعم التعليم الخاص وأن ثمة في كوكب اليمن العجيب من يمتلك مدارس خاصة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب وبالكاد يبصم
ولم يتخيلوا على الإطلاق أن ثمة تجاراً في هذا البلد المتخم بالمتناقضات والمزدحم بالعجائب والغرائب يتزعمون إرهاباً منظماً ضد المواطن، مشكلين مافيا لإفساد دور الدولة الرقابي على التجارة ليغرقوا الأسواق بنفايات ومخلفات العالم ليزدادوا ثراء من أوجاع وآلام الناس.
المانحون لم يفهموا بعد معنى أن يستولي كبار ضباط الوحدات العسكرية في اليمن السعيد على مرتبات ومخصصات وتموينات مئات الأفراد الوهميين والموجودين فقط في كشوفات الرواتب والتموين ولم يستوعبوا بعد معنى وجود جيش وهمي في دولة ما ولم يتساءلوا عن الجدوى من إنشاء أسوار عملاقة تضاهي بطولها سور الصين العظيم في مؤسسات ومشاريع الدولة بينما مواطنوها يفترشون الثرى ويلتحفون السماء ؟!! ولم يسألوا أنفسهم يوماً عن الفائدة المرجوة من انتشار المعسكرات بترساناتها القتالية كالسرطانات في مراكز المدن بينما البحر والبر والجو مفتوح للقاصي والداني واللاجئون والقراصنة والصيادون العابثون بالثروة والمتهربون والمهربون والجواسيس يتدفقون بلا رقيب ولا حسيب؟!.
لم يدركوا أن دعمهم لشبكات الشوارع والطرق في بلادنا بعد أن تتصارع عليها وتتخطفها شركات كبار المسئولين لتصل من مقاول إلى آخر وبعد إعطاء كل ذي حق من المسئولين حقه ونصيبه تولد بما تبقى من فتات أشباه طرق وأشباه شوارع كأنه قشور لا تصمد شهوراً لتملأ بعد أيام بالحفر والمطبات وما تبقى منها يأخذه المطر ورعى الله الصينيين الذي سفلتوا الشوارع أيام زمان جاء من بعدهم أبناء الوطن الوطنيون جداً فجعلونا نذكر الأجنبي بالخير!! .
المانحون أصابهم التبلد عند سماعهم أن الدخل القومي للبلد يهرب ويباع في السوق السوداء وجن جنونهم عند معرفتهم هويات المهربين والمتاجرين فلم يظنوا مجرد الظن أن مساعداتهم لبلادنا في المجال العسكري تدريباً وتأهيلاً وعتاداً تم توجيهها لضرب الشعب، بينما يتم تمكين المخربين من أحدث الأسلحة للعبث بأمن واستقرار الوطن وحتى السيارات المدرعة التي قدمت لأفراد الجيش كي تحميهم من رصاص طائش أو كمين مخرب ينعم بها أطفال لم يبلغوا الحلم يسرحون ويمرحون بها في شوارع العاصمة وأصبح أي صعلوك من أصدقاء "الأولاد" يمتلكها ويتفسح بها عيني عينك ويضرب الجنود في النقط التحية !!
ولم تتوقع تلك الدول بأن قلة قليلة من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لا تساوي أصابع اليدين من تلك التي تدعمها في بلادنا صادقه في التعامل معهم، بينما هناك المئات منها في الواقع عصابات محترفة تمارس النصب والاحتيال بتواطؤ مع الدولة للاستيلاء على تلك المساعدات والمنح!!
والجديد الذي لم تعلمه تلك الدول أن الفساد وصل في بلادنا إلى أن أصبحت الأذهان والعقول ليست على التغيير بل وتأقلمت مع الفساد وتعايشت معه وأكلوا عيشاً ملحاً لدرجة صارت فيها تقاوم أي نضال أو كفاح لمستقبل أفضل رازحة تحت تأثير مخدر الخوف من المجهول وحمى الولاء لأشخاص تركوا لهم الفتات بعد أن نهبوا مقدرات وخيرات البلد، جاحدين مبدأ أن التغيير سنة من سنن الله في خلقه !!
لذلك كله وحتى تخرج الدول الشقيقة والصديقة من مربع الحيرة وإذا كانت جادة في دعم بلادنا وحريصة على ذلك فلا بد لها من تشكيل لجان تقصي الحقائق لمعرفة مصير المساعدات والمنح السابقة واللاحقة وعلى حكومة بلادنا التعاون مع تلك الدول وإدراج جميع شركات شاغلي المناصب العليا السابقين والمخضرمين ضمن الشركات المحظورة ومتابعة وملاحقة عقاراتهم واستثماراتهم وأرصدتهم في الداخل والخارج وحجزها ومصادرتها ومحاكمة من سهل وتجاوز وانتهك ونهب أموال الشعب.
ما لم فإن من صنع منظومة الفساد بتلك البراعة وتفنن في إنتاجها قادر على إغراق حكومتنا والدول المانحة في مشاريع وهمية لا وجود لها إلا على الورق وسيدمر أي برامج اجتماعية وخدمية وسيعمل جاهداً على إنهاك وإعياء الدول المانحة والداعمة وإذا ما كان ذلك فإني على ثقة بأن مندوبي تلك الدول في نهاية المطاف سيطلبون من بلدانهم تحويلهم إلى مصحات نفسية للاستجمام ولإزالة آثار الاكتئاب والإحباط وسيطالبون بتعويض مادي ومعنوي جراء ما لحقهم خلال تلكم المؤتمرات والاجتماعات التي تجريها الدول المانحة والداعمة لبلادنا بين الفينة والأخرى من عذاب نفسي ووجع قلب وتلف أعصاب وحيرة قاتلة وغموض يجعل الحليم حيران.
حقاً إنه الفساد اليمني الفريد والمعقد فهل سيقدر أولئك المانحون على فك شفرة طلاسمه والتعامل معه بما يحقق الخير للبلاد والعباد ؟!!
نتمنى ذلك.
إبراهيم محمد الزنداني
عن المرحلة القادمة من مسلسل اليمن والمانحين!! 2556