احتفالية المؤتمر الشعبي العام بمناسبة مرور 3 عقود على تأسيسه مثلت فرصة غير عادية للراغبين في قراءة المشهد السياسي المؤتمري بشكل خاص والوطني بشكل عام، وكمتابعين كنا نعتقد أن المؤتمر باحتفاليته هذه سيقدم نفسه بصورة مغايرة أو متجددة تراعي منطلقات ومتطلبات الحالة الراهنة لتمثل هذه الاحتفالية وقفة تحليلة نقدية تستلهم استحقاقات الثورة الربيعية اليمنية والتعاطي المسؤول مع المتغيرات الحاصلة، باعتباره أولاً المسؤول الأول عن مرحلة ما قبل الثورة وثانياً كشريك أساسي برئيس + نصف في دولة وحكومة الوفاق الوطني، والأغلبية النيابة التي لم تعد مريحة بعد انشقاق عدد من البرلمانيين لكن ما حصل في هذه الاحتفالية أمر يجعلنا نفرقع أصابع الندم ونترحم على حال فئة من هؤلاء حاولوا تجيير الاحتفالية لإبراز صورة الزعيم ومحاولة تقديمه كما لو كان في موقع الرجل الأول واجترار صورته وتلميعها كما لو كانت 33 عاماً من الصور والخطابات وأخبار المنجزات ومصارعة طواحين الهواء والثعابين غير كافية.
لذلك بدا من أول وهلة أن ثمة محاولات لاختزال المؤتمر كحزب في الصورة التي الفناها الرئيس هو الوطن والوطن هو الرئيس ووطن من أجل الرئيس لا رئيساً من أجل الوطن وإن شئت "مؤتمر من أجل الزعيم" ولتوضيح الصورة أكثر "حزب في عباءة رئيس سابق"، وكما لو أن كل الذي استخلصه المهيمنون على حزب المؤتمر من ثورات الربيع لم يتعد اعتماد سياسة التجييش والحشد أمام الكاميرات على طريقة مواجهة التحدي بالتحدي، لكن بمفهوم جد متخلف للأسف لم يتجاوز "الشقاة عند رعوى" وعليه ما يهمنا هنا القول إن الذكرى الثلاثين لتأسيس المؤتمر بدت كما لو كان والهدف من قيامها والتحضير لها إبراز صورة الزعيم واستعادة إنتاج خطاباته باعتبار شهوة السلطة وجنون الحكم مرضاً لا براء منه وسقما عديم الشفاء.
وعلى هكذا أساس فإذا كان خطاب "الزعيم" يمثل خط المؤتمر ونهجه السياسي خلال المرحلة القادمة فهذا يعني أننا سنعود إلى المربع الأول للأزمة وأن المبادرة الخليجية مجرد حبر على ورق، وعلى الناس أن تستعد لما هو أسوأ.
لكن هذا قطعاً ما لم يحصل في ظل توجه دولي وإقليمي ومحلي جاد أدرك خطورة الأزمة والمرحلة التي تعيشها البلد، وهذا ما يجعل روح التفاؤل سيد الموقف، هناك توجه في استثمار موقع الرئيس السابق أو الحالي باعتبار المؤتمر حزب الرؤساء أو منجم الرؤساء، لم يخرج في مضمونه الحقيقي في استدعاء مقولة قبيلة الرؤساء كما لو كان المؤتمر حزباً على هيئة قبيلة ولها شيخها الذي لا يقهر ولا ينتزع منه مشيخة القبيلة له ولولد ولده وأباً عن جد، لهذا قال المفكر العربي الإسلامي فهمي هويدي:قبل أكثر من 10 أعوام إن الحكم في اليمن يتجه من حكم القبيلة إلى حكم العائلة وهذا ما حصل بالفعل.
وبالعودة إلى احتفالية "الاثنين" بدأ شهد قاعة مايو متصدراً صورة الزعيم الحامي والرئيس الهادي معاً، لتحمل أكثر من دلالات ظاهرها دعم توجهات الرئيس هادي وباطنها إدراكه أي الرئيس هادي أن يعرف أن مكانته كرجل ثانٍ ليس إلا في حزب الزعيم وأن أي تعارض مع توجهات الزعيم لا يمكن أن يمر..
وبمقارنة بسيطة من خطاب الرئيس هادي الذي ألقاه قبيل يوم من الاحتفالية المؤتمرية أمام أعضاء مجلس النواب، ركز فيه على أهمية الوفاق والتوافق ووضع مصالح البلد فوق الانتماءات الحزبية واعتبار البلد دائرة يمثلها 301 نائب وعلى كل نائب أن يتجاوز مفهوم الدائرة الواحدة إلى ما هو أكبر، مستعرضاً ما تم انجازه خلال الفترة منذ 21 فبراير وما أنجزته حكومة الوفاق الوطني برئاسة باسندوة والتي أشاد بها في أكثر من خطاب حتى الآن.
وعلى العكس من ذلك جاء خطاب الزعيم "متهكماً" ولاذعاً من باسندوة وحكومته وحاكماً عليها بالفشل مع أن الفترة التي مضى على تشكيلها ليس ليس من الجدير بالحكم على فشلها بفترة 8 أشهر مع أن برنامج الإصلاح الذي بدأته حكومات المؤتمر ورئاسة صالح بدأ منذ عام 95م تحديداً ومع ذلك لم يقر أو يعترف بإخفاقاتها ولو لمرة واحدة، هذا مع أن الرؤساء العرب وصالح أكثرهم باتوا يتخلصون من إخفاقاتهم وفشلهم برميها إلى ملعب رئيس الوزراء والحكومة وفي حال نجاح أية مشاريع أو برامج فهي من معجزات الزعيم وعبقريته الفذة وقدراته الخارقة بمعنى داخل في الفائدة وخارج من الخسارة.
وهذا على العكس مما سمعناه من الرئيس هادي عندما وضع حداً لكل التقولات والتسريبات التي مصدرها مطابخ النخبة في المؤتمر عندما أوضح بعدم إجراء أي تعدل وزاري أو تمديد رئاسي ليقطع الشك باليقين لا شيء يدل في الواقع العملي لكل ذي بصيرة على دعم المتحكمين بسياسية المؤتمر لتوجهات الرئيس هادي بالمطلق وكل الذي يجري هو التمرد على قراراته ومحاولة جر المؤتمر عبر تقولات "عبده الجندي" والبركاني وغيرهم على سياسية التصعيد في الخطاب الإعلامي المستفز من خلال استهداف رئيس الحكومة وشخصنة القضايا الوطنية من خلال النيل من باسندوة وحميد الأحمر وعلي محسن الأحمر ومحاولات إلصاق تهمة القاعدة بالحراك تارة والحوثيين تارة أخرى.
وركز المطبخ الإعلامي للمؤتمر ـ للأسف منذ وقت مبكر ـ على استثمار الصراعات والفتن وتغذية المناطقية وشراء الذمم وفي الجنوب مثلاً ظهرت هذه الممارسات وعبرت عن نفسها في أكثر من صورة وأكثر من مناسبة ودليل.
وبالتالي يمكننا القول ـ من خلال ما يطرحه بعض الجنوبيين الذين وصلوا إلى السلطة وذاقوا ملذاتها ونعمها مقابل ذلك كما لو كانوا معنيين باستفزاز الشارع الجنوبي عن طريق استهلاك الشعارات باسم الوحدة والثورة الوطن وأمام عقدة الاتهام بالانفصالية ظهر فريق من الجنوبيين المؤتمريين كملكيين أكثر من الملك، ومن هذا المنطلق فكل واحد من هؤلاء يعاني من عقدة الاتهام بالانفصالية في داخله وعليه أن يثبت العكس خمس مرات في اليوم على الأقل في المزايدة على أبناء الجنوب والنيل من كل ما تحقق فكانت الممارسات منذ حرب 94م وما بعدها في الواقع أيضاً أقنعت كل الجنوبيين باستهدافهم أرضاً وإنساناً ووجوداً.
ومن غريب الأمر أن يقوم دغر مثلاً بمهمة من هذا النوع في أكثر من مناسبة آخرها اشتراطاته في كلمته برفض الفيدرالية من شطرين مثلاً وهذا يضاف إلى حملة العوائق والاشتراطات التي يمارسها حفنة بالمؤتمر كما تعتقد وليس كل المؤتمر في إعاقة الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي يعده الرئيس هادي من أبرز أهدافه التي يعمل لإنجاحها.
وأخيراً نود التنبية إلى أن مجمل السياسيات الخاطئة تجاه الجنوب والمؤتمر على رأسها خلال الفترة المنصرمة ألحقت ضرراً فادحاً وكبيراً جداً كنا نعتقد أن عقلاء المؤتمر وكذا الإصلاح معنيون بتصحيحها ومراجعتها.
وما ظهر خلال "الاحتفالية" الثلاثينية من تجاهل لمأساة أبناء أبين وما لحق بأبنائها ومنشآنها من تدمير وقتل وتشريد عزز قناعات الكثير ممن كان يساورهم أدنى شك بأن وراء الأكمة ما ورائها، وأن ما جرى لأبناء أبين وشبوة مؤخراً يأتي امتداداً لمجمل سياسات غير بريئة تجاه الجنوب وأبنائه.
أحمد يسلم صالح
مؤتمر من أجل الزعيم 2038