الإجرام وهو أعظم الذنب يشمل أبشع صور الظلم والفساد والتكذيب والعدوان إلا أن لفظ (الإجرام) له وقع في النفوس مهيب رهيب شنيع بصورة خبث النفس وقسوة القلب وفساد الضمير وانحراف النهج تصوره هذه الجرائم والمجازر الذي تمارسها الأنظمة القمعية والزعامات الوحشية يشاركها الإثم والجرم أتباع ساذجون لتصديقهم ومساندتهم قال تعالى: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) أي آثمين (فأغويناكم إنا كنا غاوين * فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون * إنا كذلك نفعل بالمجرمين) وفي الجدال بين المستضعفين والمستكبرين (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين). فلا عذر شرعاً من يجهل ثوابت الحق والدين بعد وضوحها (أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون). وأسوأ منهم أتباع نفعيون يتصيدون فتاتهم ويطمعون مقاستهم الكعكة (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا ينصرون) (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) وأسوأ منهم أناس أكرمهم الله بالعلم والمال والثقافة وأئتمنهم على هذه النعمة فسخروها في مناصرة المجرمين وإضفاء الشرعية عليهم وهو كفر بالنعمة وخيانة للأمانة وافتراء على الله (قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون). وقد خلد الله تعالى في القرآن الكريم الموقف السياسي والأخلاقي المخزي المهين حتى شبهه بأنجس الحيوانات (الكلب) وبين كيف أن العالم الحبر بلعام بن باعوراء وقد جمع علم الكتاب وكان مجاب الدعوة استجاب لضغوط قومه بني إسرائيل فدعا على موسى وأتباعه فاعتبر القرآن ذلك انسلاخاً عن العلم حيث لم يعد له بذلك أدنى اتصال كما تنسلخ الشاة أو الحية عن جلدها وصار إماماً للشيطان لا تابعاً له.
فاسمع إلى تعنيف القرآن له (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكن أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب..). وإذا كان من طلب العلم رياء في حمله (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة) كما صح في الحديث فكيف بمن سخره لنصرة المجرمين كما يفعل بعض المنتسبين للعلم والدين والصحافة والإعلام ورجال المال والأعمال؟
وأما نبي الله موسى عليه السلام فلمجرد أنه قتل القبطي اجتهاداً وتأويلاً لنصرة الرجل الذي من شيعته بما يشبه العصبية فبادر إلى الاعتذار لربه في مشهد جميل (ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين)، إشارة إلى أن شُكر النعمة يستلزم مواجهة المجرمين والوقوف في وجوههم وضد مؤامراتهم لا المظاهرة والمساندة لهم.
وهو نفس المعنى الذي حذر الرب تعالى منه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً).
وفي قول له: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما). ومضمون الآيتين الكريمتين التحذير من الدفاع (بالمخاصمة والمجادلة) عن أهل الباطل والخيانة الذين خانوا أمانة الحق والمسؤولية.
ومهما اختلفت سبل الباطل وتنوع مكرهم وكيدهم إلا أنها في الغاية والمحصلة واحدة ولذلك قال تعالى: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)، لاتفاق غاية المجرمين في حرب الدين وظلم المستضعفين (بعضهم أولياء بعض).
تفرق جمعهم إلا علينا فصرنا كالفريسة للذئاب.
وللإشارة إلى تنوع مسالكهم في الفساد والإجرام قال تعالى: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله): وقد ذكر بعض علماء السلف والمفسرين أن مجرد خياطة الثوب للظالم وتقريب الطعام له ركون للظالمين محرم فكيف بمن سانده بالفتوى والمال والكلمة الإعلامية والمظاهرات... إلخ (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون).
وما يفعله الإعلام المأجور والمأزوم من السخرية من دعاة الإسلام والجماعات الإسلامية كذلك (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون..).
إن الصراع والعداوة بين مناهج وقوى الحق والخير من جهة وقوى ومناهج الشر والباطل من جهة أخرى سنة كونية وقانون إلهي وطبيعة بشرية وواقعية ماضية في الأزل باقية إلى الأبد ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً).
(وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون)، واليوم وبعد انتصار الثورات وسقوط أنظمة الإجرام لم يعد مكاناً للمجرمين في مستقبل المسلمين حيث انكشفت أقنعتهم وفضحت جرائمهم مهما تدثروا به من شعارات وغيروا جلودهم وخدعوا وضللوا.
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطب
وأخيراً فإننا نذكر المجرمين من المستكبرين والمستضعفين والنفعيين بقوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون).
وإن لكم في المصير المهين لأنظمة علي وبن علي ومبارك والقذافي وقريباً النظام السوري عبرة لو كنتم تعتبرون!
رئيس رابطة علماء ودعاة عدن
الشيخ/ عمار بن ناشر
الإجرام.. صورة وأشكاله 2236