كثيراً ما يتهم الأشخاص الواقعيون بالتشاؤم وبالنظرة السوداوية للحياة والأمور.. وكثيراً ما يقال لهم : يا أخي اخلع عنك النظارة السوداء، وارتدي نظارة بيضاء لترى الأمور بصورة جيدة.. كن جميلاً ترى الوجود جميلاً..
حاول أحد السوداويين خلع النظارة السوداء، واستبدالها بأخرى، واختار اللون الأخضر عله يسترخي، ويجد فيها ما يريح أعصابه، وبدأ ينظر من حوله ليجد أشجار القات تغطي المساحات المترامية من أراضينا الزراعية ووجد مناظر مقرفة لأشخاص تمتلئ أفواههم بأوراق القات الممضوغة، يبصقون على الأرض، في الشوارع العامة، وفي الحدائق، وأينما اتفق, دون أي اعتبار لمن حولهم..أزعجه المنظر فقرر خلع النظارة الخضراء واستبدالها بأخرى حمراء زاهية، لكنه لم يصدق ولم يتحمل منظر الدماء المراقة على تراب الوطن وفي أنحائه المتفرقة، وبسرعة خلع النظارة الحمراء من عينيه، ثم أخذ نفساً عميقاً بعد اللحظات المروعة التي عاشها..
بعد تفكير قليل قرر أن يرتدي النظارة الزرقاء، علّه يريح عينيه بزرقة البحر الصافية، وفعلاً هذا ما وجده، ولكن بعد لحظات قليلة فقط فوجئ بقوارب تصارع الأمواج العاتية، قادمة من الضفة الأخرى تحمل على متنها أفواج من المتسللين الأفارقة، يقبلون على سواحلنا بأعداد كبيرة، يحلمون بفرص أمن وفرص عمل، وكأننا في بلد نفطي مترف، لكنهم في الحقيقة لم يزيدوا الطين اليمني إلا بلة, تضايق صديقنا من هذا المشهد، فخلع النظارة الزرقاء بسرعة وقال في نفسه: النظارة البيضاء.. نعم النظارة البيضاء هي الحل، أخذ النظارة البيضاء ووضعها على عينيه بسرعة، لكنه شعر بالمرارة والألم تعتصران نفسه.. رأى ملائكة الرحمة بملابسهم البيضاء وقد وتحولوا إلى زبانية للعذاب، يتاجرون بأرواح المرضى، ويستغلون آلامهم وعذاباتهم في ابتزاز الأموال الطائلة..لم يحتمل مرارة المشهد..فخلع النظارة البيضاء..
بعد وقت قصير من التفكير، اهتدى إلى المعلومة المتواترة عن اللون الأسود بأنه سيد الألوان، وبأنه -علمياً- يشتمل على جميع الألوان.. قرر العودة إلى لونه المفضل (الأسود)، وضع النظارة السوداء على عينيه آملاً أن يرى الأشياء على حقيقتها، وأن يرى الواقع كما هو عليه، دون مبالغة أو تطرف، لكنه لم يرَ شيئاً على الإطلاق.. انتابه الجنون وتساءل ما هذا الظلام؟!، لماذا لا أرى شيئاً ؟! فقيل له: الكهرباء طفت..!
ليلى الغليسي
النظارة السوداء 2038