التاريخ وهو يروي لنا الحكايات يستريح أيضاً من حديث أهوال الحروب والانقلابات والهزات، ويجلس ليحدثنا في استراحاته عن مهرجين لا يتخلى عنهم التاريخ فبدونهم لا تحلو الحكايات ولا يتبدد سواد الأحداث وبدونهم لن يكون للتاريخ أي صوت يضحك، هم أولئك الذين يحبون أن يلعبوا الدور الوهمي الهلامي ويصنعون من أنفسهم أبطالاً وقيادات ثورية، وصناعها، وينسبون لأنفسهم تلك البطولات الوهمية والتي في حقيقتها لا تساوي عندي قطرة من عرق جبين أولئك الناس الكادحين البسطاء والذين هم حقاً من يصنعون الثورات ويبنون المجد لأوطانهم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
ولأني أحس بالأسى على هؤلاء الناس والشباب الذين يعلنون عن أنفسهم قادة للثورة وممثلين لها ويتسابقون إلى الصالات المغلقة ليبدءوا بصفقات البيع والشراء ويسامون على مبادئ وأهداف الثورة وكأن الثورة ثوبٌ ألبسنيه الله كما قالها من هو شبيه بهم من قبل كان لابد أن أسرد بعض الحكايات التاريخية عن هذا الصنف من الناس.
فعندما سئل الزعيم النازي هتلر: من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟.. قال "هم الذيــن ساعدونــي علـــى احتلال أوطــانهم" وتماماً كما حدثنا التاريخ نجد أن قدَر الحركات التصحيحية والثورات تحت أقدام هؤلاء.
التاريخ يروي لنا مدى ما يقوم به هؤلاء ومدى خطورتهم على الحركات والمسيرات والتي سحقت على أيديهم وهل كان الإمام علي عليه السلام هو المنتصر في صفين لولا وجود الكثير من هذا الصنف في أوساط جيشه ...لما اقتربت ساعة النصر ولم يبق لقائد ميمنته مالك الأشتر إلا بضع خطوات حتى يصل إلى نهاية جيش معاوية ويعلن النصر على جيش البغي استطاع معاوية بدهاء بن العاص ومكره هو ولعلمها بوجود هذا الصنف أو الطابور في جيش الإمام علي عليه السلام رفعا كتاب الله حكما، فهرع هؤلاء الغوغاء على الإمام يطلبون منه تلبية ذلك الطلب وهو يقول لهم" أعيروني سواعدكم ساعة هذه كلمة حق يراد بها باطل كتاب الله حكمنا لم نفرط فيه طرفة عين" ولكنهم أصروا إلا أن يحكم وينزل تحت حكم الحكمين.
الإمام الحسن انتصر على أعدائه وقاد ثورته وبفضل هذا الصنف ووجوده في جيشه كانت النتيجة أن جرح الإمام الحسن واضطر إلى أن ينزل إلى الصلح.
أعتقد أنه من السهل أن تكون بطلاً في ساحات الإعلام ولكن من الصعب أن تكون بطلاً حقيقياً، ومن حقك أن تحاور وتذهب إلى صالة مغلقة لكن ليس من حقك أن تدعي زوراً وبهتاناً أنك تمثل شباب الثورة .
أخيراً سأهدي هذه الأبيات للمرحوم البردوني تحكي حكاية الثوار والذين قالوا إنهم كذلك:-
معاً بدأنا وردّدنا (الشِّعار) معاً *** يموت مَنْ خان أو والاه أو جارى
كنّا كعقدٍ ولكن لم يجدْ عُنُقاً *** صرنا جناحين، لكن أيُّنا طارا؟
ثرتمُ وثُرنا، فلمَّا نلتُمُ وطَراً **** هدأتمُ، وسهرنا نحن ثوّارا
أردتمُ أن تناموا مرتوين كما *** شئنا نبيت عَطاشى نرضع النارا
لن تمنعوا يا أساطين الوفاق غداً *** من أن يثور وأن ينصبَّ أنهارا
مهما اقتدرتم، فما عَطَّلْتمُ فَلَكاً **** ولا أحلتمْ محيّا الشمس دينارا
وأخيراً هل وصل الحصى قاع النهر؟.. الحر تكفيه الإشارة.
عبدالرحمن الأهنومي
ثوار .. والذين كانوا 1959