يأتي تأخير إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية في ظل تجاذبات ومساومات ولقاءات خلف "الكواليس" وضغوط يقوم بها المجلس العسكري على المرشح الفائز/ محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
ذلك أن كل الدلائل والمؤشرات والمعلومات والأرقام تؤكد فوز محمد مرسي وهذا ما يدفع العسكري لفرض سياسة الأمر الواقع وأن يتم إعلان فوز مرسي مقابل موافقة الإخوان على الإعلان الدستوري المكمل وعلى حل مجلس الشعب، وإذا لم توافق جماعة الإخوان على شروط وضغوط المجلس العسكري فقد يتم إعلان النتيجة بفوز أحمد شفيق.
وهذا إذا حصل لا شك أنه سيكون الإعلان الأكثر تدميراً والقشة التي قصمت ظهر البعير وهذا ما يدركه المجلس العسكري والذي يحاول أن يوازن بين إعلان فوز مرسي وفي الوقت ذاته الحصول على أكبر قدر من السيطرة والهيمنة والإمساك بكافة خيوط اللعبة، يريد المجلس العسكري رئيساً منتخباً بدون صلاحيات حقيقية، ويريد كتابة الدستور وهو ممسك بالسلطة وقادر على التأثير والتغيير، كما يريد العسكري أن تتم الانتخابات البرلمانية المبكرة وفق شروط ومعايير لا تسمح للإسلاميين بالحصول على الأغلبية، بمعنى أن المجلس العسكري ومن معه يسعون للبقاء في السلطة والسيطرة لعدة سنوات قادمة، في إطار اتفاقيات وتوافقات داخلية وخارجية تهدف إلى تحقيق مطالب الشعب ونقل السلطة تدريجياً ومرحلياً في اتجاه وتوجه يقتضي نقل وتسليم السلطة ديمقراطياً وانتخابياً، لكن ليس للإسلاميين وإنما لقوى أخرى تكون أقرب لاستمرار السياسات والتوجهات السابقة لمصر، وخاصة فيما يتعلق بالجيش والقوات المسلحة والسياسة الخارجية.
وبالنسبة للإخوان المسلمين، فإن التحديات أمامهم كبيرة والمرحلة عصيبة وفارقة وتتطلب منهم العمل بحكمة والتصرف باتزان وعدم الانجرار وراء الاستفزازات والوقوع في المطبات التي توضع في طريقهم، وعلى الإخوان أن يتعاملوا بمرونة وانفتاح لا يصل إلى درجة تقديم تنازلات كبيرة وأن يحافظوا على المبادئ والثوابت، باعتبار أن الوصول إلى السلطة والفوز في الانتخابات والعمل السياسي بشكل عام لا يعدو أن يكون وسيلة وليس غاية، وأن الطريق طويل والعبء ثقيل والناقد بصير، وعليهم أن يستعدوا لكل المفاجآت والاحتمالات بما في ذلك إعلان فوز شفيق، وأن يتصرفوا في كل الأحوال على أساس أنهم حركة دعوية تمتلك مشروعاً حضارياً وتريد أن تقدم نموذجاً إسلامياً، وهذا يقضي أن يحسبوا كل خطوة يخطونها وكل فعل يُقدمون عليه، وكل موقف يتخذونه وكل قرار يصدرونه، وأن الموازنة الآن ليست بين المصالح والمفاسد وإنما بين المفاسد وبعضها وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح واختيار أخف الضررين وأدنى المفسدتين وأهون الشرين، وأن يكون تصرفهم وعملهم وأفعالهم وفق قول الله تعالى "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".
عبد الفتاح البتول
مصر بين الإخوان والعسكر!! 1926