بعد الغياب الطويل الذي دام أكثر من عقد ونصف من الزمن، والانقطاع التام عن المسرح والسينما، والابتعاد عن جميع الأعمال الدرامية والسينمائية، والتي كان آخرها فيلم (العند عنيد) الذي فرّ بعده هارباً إلى فنادق الخمسة والسبعة والعشرة نجوم.. وبتلك الصورة المتميزة ببعض المواصفات واللمسات البطولية الهندية ظهر مجدداً وكأنه البطل (أميتان باتشا) عاد لينتقم.. كنا نظن بأنه سيعود لينتقم من عدوه وعدونا المجرم الذي طرده من البلاد، وعاث فيها بالفساد، وأهلك الحرث والنسل، ويضربه بكف الوحدة التي ضربها عام 90م، وضُرب بها في 94م.. ويقف إلي جانب الشعب الذي خرج ليطرد الفاسد ونظامه وأسرته، والذي يعتبره الشعب رأس الانفصال والفساد.
وكنا نظن أن المتغيرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي على مستوى المنطقة، والمتغيرات التي أحدثتها ثورة شعبنا السلمية التي كان نواتها الحراك السلمي.. وما تشهده البلاد من أحداث، وما يعانيه الشعب من أزمات؛ قد أيقظ ضميره النائم، وأخذه من غيبوبة الماضي، وأخرجه من صف الطغاة العرب إلي صف الشعوب، لكنه فاجئنا بأنه في طور الإعداد لفيلم جديد بعنوان (في كل شبر شهيد)، هذا الفلم المتميز بالدراما الإيرانية وأخواتها، ودعم آل ساسان ومحبيهم، هو أول فيلم يعلن عنه بعد ظهوره على الشاشة، وعودته إلى السينما العربية، وسيمثل فيه دور البطل كما هم المعتاد عند جميع الطغاة العرب المعروفين بالعنف ضد شعوبهم.. وكأنه تأثر بأفلام العنف الدامية في فترة الربيع العربي والتي كان من أشهرها: زنقة زنقة، شبر شبر، طاقة طاقة، التحدي بالتحدي، هزه الشوق والحنين إلى تلك المجازر التي كان ينفذها آنذاك.. وأراد أن يخرج أعظم وأبشع وأعنف فيلم عنف على مستوى العالم، وتاريخ الإنسانية، ويحصد كل جوائز الإجرام والعنف العالمية الكبرى، ويسجل في موسوعة غينيس وهو البطل.
(في كل شبر شهيد) لماذا؟ ومن أجل ماذا؟ وما هي النتائج؟ وما هي الفائدة؟ ومن المستفيد؟ ومن الذي سيبقى؟ هل يعني أن حبه الشديد لكل أبناء الوطن جعله يتألم لمعاناتنا وشقائنا، فأراد أن يخلصنا من ذلك بالشهادة، وينقلنا إلى جنة النعيم خير من الفنادق التي يعيش فيها؟ أم أن حبه القوي للوطن جعله يحس ثقل ما عليه من أبنائه، فأراد ان يطهره منهم ويأتي بشعب جديد؟، فهو لا يريد أن يقود الشعب إلى الهلاك مادام هو في مقدمة الصفوف، وليس من الجبناء الذي يفرون من الخنادق والبنادق إلى الفنادق في أحضان العملاء.
كنت أتمنى أن يخرج بأغنية جديدة يدعو فيها الطغاة العرب إلى ترك الشعوب واللحاق به، ليشهد له التاريخ بأنه أول رئيس غنى من أجل تحرير الشعوب، كما شهد له بأنه أول رئيس تنازل من الرئاسة من أجل الوحدة، لو فعل لكان خيراً له من الفيلم الذي لن يكفي لتحقيقه كل أبناء الشعب - شمالاً وجنوباً- أو حتى أبناء الجزيرة العربية جميعاً.
معاذ الجحافي
في كل شبر شهيد 1818