يقول الله عز وجل في أول سورة الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير".
كانت حادثة ورحلة الإسراء والمعراج بلسماً وترويحاً وأملاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
بعدما فجع بموت عمه أبو طالب الذي كان درعا له في الخارج وموت زوجه الوفية خديجة رضى الله عنها، والتي بلغ وفاؤها وحبها وحنانها للنبي صلى الله عليه وسلم "أن السلام أقرأها السلام وبشرها ببيت في الجنة من قصب "ذهب" لا نصب فيه ولا وصب" فمات في عام واحد الحامي والمدافع الخارجي، والسى والحصن الدافوع في الداخل، فحزن النبي صلى الله عليه لهذا الخطب وسمي هذا العام بعام الحزن.
أزداد الإيذاء والتعذيب والسخرية للنبي الأكرم من المشركين وجعلوا موت عمه فرصة للإمعان من الإيذاء والتنكيل، في هذا الجو المليء بالحزن والأذى شاءت إرادة الله عز وجل أن يخفف عن هذا القلب المكلوم فكانت بعجزة الإسراء والمعراج حيث طوى الله عز وجل لحبيبه المصطفى الزمان والمكان واصفطاه لقربه في السموات العلى عند سدرة المنتهى، حيث رأى من آيت ربه الكبرى.
ابتدأت رحلة الإسراء من البيت الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بفلسطين حيث صلى بالأنبياء إماماً، ثم بدأت الرحلة السماوية رحلة المعراج، من بيت المقدس إلى السموات العلى حيث حظي بمقامات القرب، وكشفت الغطاءات فرأى من آيات ربه الكبرى، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم عاد صلى الله عليه وسلم وكان مرقدة لا يزال الدفئ فيه عاد أكثر ثباتاً وأملا من شيوع دعوته، وأعلن للناس عن رحلته بين الجموع غير آبه بما يلقاه من سخرية واستهراء.
ونستفيد من هذا ما يلي: لماذا كانت المعجزة من مسجد إلى مسجد؟ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومنه إلى السموات العلى.
ليعلم المسلمون مكانة هذين المسجدين وارتباطهما بعقيدة حياة المسلم فأول مسجد بني في الأرض المسجد الحرام وثانيهما المسجد الأقصى والمدة الزمنية بينهما أربعون عاماً كما جاء في الخبر، إذاً يجب على المسلمين المحافظة على هذين المسجدين فمن حافظ على أحدهما حافظ على الآخر، ومن ضيع أحدهما يوشك أن يضيع الآخر فالمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمسجد الأقصى يستصرخ ويستنجد بالمسلمين الآن" أدركوني قبل أن يهدموني".. فهل من مغيث يلبي النداء يا أمة المليار، خاصة إذا علمنا أن اليهود يعيثون فساداً من فوق المسجد الأقصى ومن تحته وبين أرجائه؟، وغير خافٍ على أحد ما يقومون به من منع للصلاة فيه بقانون القوة والإرهاب وكثيراً ما دنسوا رحابه ودخولهم بالأحذية وأقاموا بعض الشعائر اليهودية فيه، وأيضاً هذا المخطط الخبيث من حفر للأنفاق تمهيداً لهدمه وإقامة مكانه هيكل سليمان المزعوم، ومن آخر ما قرروه إقامة فندق ضخم عند باب المغاربة لإقامة الحفلات الماجنة الراقصة مما يذهب بجلال المكان والمكانة.
إذاً من سيدرك المسجد الأقصى؟ هل هم اليهود وعلمنا مكرهم وكيدهم ـ أم النصارى ـ ونعلم ما للتحالف الصهيوني الصليبي على المسلمين ـ أم المسلمون ـ وهم أضعف ما يكونون وبأنفسهم مشغولون وأصبحوا لأنفسهم أعداء ولأعدائهم أولياء.، الواقع صعب والظلام دامس، ولكن ليس غير المسلمين من ينقذ الأقصى، لأنه عرضهم ودينهم حتى وإن عجز الجيل الحاضر فلا يفرض العجز على الأجيال القادمة.
ولنا عبرة من معجزة الإسراء والمعراج، فبالرغم من آلام التعذيب والسخرية والاستهزاء من أهل الأرض، فأهل السماء يستقبلون النبي الأكرم بالترحاب إلى مقام لم يبلغه أحد إلا النبي الكريم.
تتغير المعادلات بأمر رب السموات وتنقلب الموازين وإذا بدولة الشرك تزول وتحل محلها دولة الإيمان ويبلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار.
وبالرغم من هذه الظلمات الحالكة أرى بصيص أمل ونوراً بدأ يشرق من أرض الإسلام وبدأت تنكس رايات وترتفع أخرى على منهاج النبوة.. فارتقبوا النصر المبين وكونوا البنية صالحة لبناء صرح الإسلام ولعودة الأقصى الحزين، عندئذ "يفرح المؤمنون بنصر الله".. القدس فتحها عمر بن الخطاب وحررها صلاح الدين فمن لها الآن؟ ((ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً))..
الشيخ/منيسي السيد
أمل الإسراء والمعراج والواقع المرير 1984