كانت زيارتي الأولى لتونس خلال الفترة من 28/5-1/6/2012م عقب دعوة من الشركة التونسية للكهرباء والغاز والاتحاد العربي للطاقة لحضور فعاليات الاجتماع الأفريقي لمنتجي وناقلي وموزعي الطاقة الكهربائية في مدينة الحمامات في تونس الدولة الصغيرة التي تطل على البحر الأبيض المتوسط ويبلع طول شواطئها ألف وثلاثمائة كيلو متر ذات المساحة (164.918) كيلو متر مربع وعدد سكان لا يتجاوز أحد عشر مليون نسمة، تونس الثورة حسمت طريقها في إنجاز الثورة سريعاً، فانتخبت مجلسها التأسيسي ورئيس الجمهورية وشكلت حكومتها وبدأت بالتطلع إلى المستقبل بكل قوة والتفرغ للبناء والتنمية بفهم وإدراك كبيرين من قبل شريحة كبيرة من مواطنيها بضرورة تجاوز كل الخلافات والاتجاه للبناء.
ولفت نظري في هذه الزيارة البنية التحتية الجيدة التي تتمتع بها تونس وعلى مستوى المواصفات الدولية في الطرقات والكهرباء والاتصالات والتعليم والتي تغطي البلد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، كذلك انخفاض نسبة الأمية، كما أن الثقافة العامة للإنسان التونسي تمجد القبول بالآخر والمواطنة المتساوية وبناء الدولة المدنية على أساس الدستور والنظام والقانون، كما أن الشريحة الكبيرة وغالبية مواطنيها متوسطي الدخل لا يشكون الفقر ولا توجد طبقة ثرية جداً ذات طابع استغلالي تنهب البلاد والعباد..
ولذلك فإن الدولة الحالية ومعها الشريحة الكبيرة من المواطنين يتجهون إلى الوسطية والاعتدال والإجماع على ضرورة تكثيف الجهد والعمل لما يخدم الغالبية الكبرى من المواطنين ويخدم البلد وأهدافه التنموية ولا تستمع إلى أي تونسي إلا وتجده يمدح في تونس والتونسيين ويمدح حبهم للعمل واحترامهم للنظام والقانون الذي يساوي بين جميع أبناءه ولا تلاحظ في قاموسهم الذم والقدح والإقصاء للآخرين، فهل نطمح إلى أن يحمل اليمنيون بكل أطيافهم مشروع بناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية والقبول بالآخر على أساس دولة مدنية تحمل مشروع بناء ينتشل الوطن اليمني وأبناءه من الفقر والتخلف وسوء الخدمات التي تمس حياة المواطن في التعليم والصحة والكهرباء والمياه والنظافة والطرقات والأمن والعدل تحول حياتهم إلى معاناة دائمة؟ هذا المشروع الحضاري للدولة يجب أن يعمل على إيجاد الأمن والاستقرار والعدل وبناء الإنسان وإيجاد البنية التحتية الضرورية للدولة والاهتمام برفع مستوى المواطن وتحسين معيشته بما يمكنه من النهوض بهذا الوطن الذي يمتلك كل المقومات اللازمة للنهوض وما علينا إلا البدء ببناء مشروع الدولة الحديثة والتي لم يبزغ فجرها على اليمني حتى الآن رغم احتفالنا بالعيد التاسع والأربعين لثورة 26 سبتمبر والعيد الثامن والأربعين لثورة 14 أكتوبر والعيد الثاني والعشرين للوحدة اليمنية.
فهل يترك اليمنيون الكلام ويبدءون بإنشاء مشروع وطني لبناء الدولة المدنية الحديثة ويستفيدون من تجارب دولية إسلامية كماليزيا التي استطاعت بمشروعها الوطني النهوض بقيادة الطبيب مهاتير محمد الذي استطاع نقل البلد خلال عشرين عاماً من دولة فقيرة لا موارد لها مهملة تعيش على هامش العالم الحديث إلى دولة كبيرة وقوية لها رقم على لائحة الاقتصاد العالمي، دولة جميلة ونظيفة تطمح الكثير من دول العالم إلى بلوغ مجدها؟.
أو مشروع الدولة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان التي كانت تتسول الأوروبيين بقبولها كعضو في الاتحاد الأوروبي، فأصبحت دولة كبيرة وقوية وذات اقتصاد متين يطلب الأوروبيون والأمريكان ودها؟.
مشروع الدولة الناجحة لا يقام إلا بتضافر جهود أبناءه جميعاً وأن يكون هناك سقف يعيش تحته جميع أبناءه لا يستطيع تجاوزه أحد، وطن لا يمكن بناؤه إلا بإعطاء الشباب المؤهل والمثقف القيادة والثقة متسلحين بالمعارف والخبرات اللازمة للبناء ولإنجاح هذا المشروع، لأن من الأهمية بمكان بناء الإنسان اليمني وتوعيته بأهمية البناء والعمل والالتزام بالأنظمة والقوانين وعلى رأسهم الشباب عماد كل مشروع وكل طموح نحو البناء.
وأقترح أن يتم تكليف مجموعة من المختصين والمهنيين لعمل مشروع الدولة اليمنية الحديثة بعيداً عن التجاذبات السياسية، مستفيدين من المشاريع الناجحة في الدول الإسلامية والعالمية ويتم طرح هذا المشروع على طاولة الحوار الوطني كمشروع أساسي يتم إثراؤه من خلال المشتركين حتى يتفقوا على مشروع واحد يستوعب ملاحظات الجميع ولا يكون مفصلاً على أشخاص أو فئات أو أحزاب وليكن مشروعاً بحجم الوطن اليمني ويضم كل مكوناته وشرائحه والنسيج الوطني على مستوى الرقعة اليمنية بكاملها وبكل أبنائها ومتى ما توفرت الإرادة والعزيمة فإني أؤكد بأن اليمني قادر على أن يفاجئ العالم ويطل على العالم بدولة ناهضة من بين الركام، فاليمني يمتلك الذكاء وحب العمل وحضارة امتدت إلى أكثر من خمسة الآف عام بنيت بسواعد أبناءها واليمن تزخر بالخيرات إذا نظمت الموارد وأصلحت الإدارة ووجهت للتنمية فإن اليمن لا تحتاج إلى المساعدات والمعونات والتي تسابقت الحكومات اليمنية المتتالية على طلبها وبذلت جهوداً مضنية للحصول عليها وتناست استغلال الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها اليمن وأبناؤها والعمل على تنميتها..
فلنتجه إلى التنمية بكل قوتنا ونبحث عن تمويلها من داخل بلادنا بما تحمله سهولها وجبالها وشواطئها وبحارها وباطن أرضها ونتجه إلى تنمية وبناء الإنسان وعلى رأسهم الشباب رجالاً ونساءً، فالإنسان هو أساس كل تنمية وخلال سنوات معدودة سترون يمناً آخر، يمن الخير والبركة، يمناً لا تحتاج إلى استجداء الخارج..
كما أحب أن أدعو الشباب على مستوى الوطن اليمني لتشكيل منظمة شبابية يجتمع تحت لواءها الشباب بكل أطيافه لوضع مشروع واقعي مزمن للنهوض باليمن ، ونهتم بالإنسان وبناءه وإعادة منظومة القيم التي تهدمت وتطوير التعليم والاهتمام بالتنظيم الإداري والمالي لأجهزة الدولة، والزراعة واستصلاح الأراضي الزراعية وتوزيعها للشباب لبناء مشاريع إنتاجية زراعية، والاهتمام بالتطوير والاستغلال الأمثل للثروة السمكية وحمايتها من السرقة، والاهتمام بإنشاء المشاريع الإستراتيجية لتوليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية أساس أي تنمية والاستثمار في قطاع الصحة لتقديم خدمات طبية متميزة لضمان تخفيض النفقات الكبيرة والهائلة والتي يتكبدها الوطن والمواطن للعلاج في الخارج.
وأن يضع الشباب والطبقة المتعلمة رؤيتهم لمشروع الدولة اليمنية الحديثة على طاولة الحوار الوطني، ليكون لهم دور القيادة في هذا المشروع الذي لا بد أن يعتمد على الإنتاج والبناء كأهم أهدافه ويكون لهم شرف القيادة لمشروع التنمية اليمني نحو بناء وطن نفخر به جميعاً، فنحن أبناء سبأ وحمير ومعين الذين كان لهم الشرف في بناء حضارات تاريخية رائعة أثرت على العالم القديم بخبراتها وتجاربها، فما علينا إلا أن نشمر عن سواعدنا ونوحد جهودنا نحو هدفنا وسنصل بإذن الله تعالى..
م.خالد راشد عبدالمولى
متى يترك اليمنيون الكلام ليبنون دولتهم؟ 2469