أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأسٍ طغى من فعلِ طاغيها
من مصر أيضاً؟!
جاهزية رائعة؟!
كما سبق أن قلت في حلقتين سابقتين أن البُشريات من مصر كثيرة، كثيرة، وهي من ثمار ثورة الشعب المصري الذي استيقظ فور سماع النداءات الصادقة من الإسلاميين والقوميين الذين لم يشاركوا في الفساد، أو دعمه أو الرضى به؟ منذ حلت الدكتاتورية العسكرية المستبدة البليدة المتخلفة منذ بداية الخمسينات حتى سقوط مبارك جزئياً، استيقظ الشعب للنداء، ونهض مستجيباً موقناً أن الثورة على الظالمين هي الطريق الوحيد للخلاص من نير الظلم والاستبداد الذي تجاوز بشناعة وبشاعة فعل الاستعمار إذ تداركوا ما عجز وغفل عنه الاستعمار، ليس في مصر فقط وإنما في كل البلدان العربية التي خرج منها الاستعمار ورحل مطمئناً أنه قد خلف تلامذة نجباء مخلصين! وكأن الشهيد الزبيري قد عنى الكل بقوله: وأنتم طبعة للظلم ثانية.. تداركت كلنا قد أهملوا ونسوا!
وحديث اليوم سيتركز حول بشرى جاهزية الشعب المصري للوقوف، صفاً واحداً للدفاع عن ثورته رغم شراسة هجمة الثورة المضادة لها من مصاصي دماء وأموال وكرمة وحرية الشعب المصري، ومن الداعمين لهم في الداخل الخارج، رغم الهجمة التي أوصلت الفريق شفيق لأن يكون الرجل الثاني في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية لينافس في الجولة الأخيرة، إلا أن ذلك في حد ذاته كان بشرى في حقيقته؟! إذ جاء شفيق ليشعل الحريق، قبل أن يخرج من المضيق، أظهر أن لا يملك غير بضاعة الثلاثة الأولين كذب ودجل وخداع، أصوات وصور تُسمع السامع والمشاهد جعجعة بلا طحين جاءت البشرى بهذا لأنه كشف أنه تلميذ جيد لا جديد عنده غير ما سمعه عن الأولين عن قرب وشاهده بل ومشاركه، بل تجاوزهم بالكذب والكهانة إذ كان الأولون لا يحتاجون إلى ذلك ركوناً على ما كان يرتب للانتخابات المعروفة نتائجها سلفاً.
وصل الفريق شفيق ليكون الرجل الثاني للمنافسة الأخيرة فذهل هو كما ذهل غيره، كيف يوصل شعب ثار على ظالميه مثل هذا المشارك المبارك لأن يكون رئيساً ليعيد المأساة كما كانت وربما إلى الأسوأ.
فبدأ الرجل بدجله وكهانته، وصب جام غضبه وكذبه على الأخوان، غير عالم بأن ثلاثة أرباع أصوات الناخبين قد أعطيت لهم بغير ترغيب ولا ترهيب، توزعت بين مرسى وعبدالمنعم ومحمد سليم والصبيحي الذي اجتذب كثيراً من شباب الميدان وكثيراً منهم من الأخوان! وغير عالم أن الشعب المصري قد أصبح واعياً بمجريات الأمور ماتقدم منها وما هو حاصل، فلا يمكن أن ينطلي عليه قول شفيق: أنا أريد التقدم وغيري يريد التأخر، أنا نور وغيري ظلام، أنا سؤحول ميدان التحرير إلى حدائق غناء يلتقي فيها الشباب "يؤولوا" فيها ما يشاؤون؟ ظن المسكين أن الناس كما كانوا ينطلي عليهم الكذب والخداع، وظن أن أقصى ما يطلبه الشباب الكلام في حديقة! إنهم يا شفيق يريدون إجتثاث الفساد بذيوله، وهو مطلب كل الشعوب التي حرمت من أيسر الحقوق، فاستيقظت لتطالب بكل الحقوق ابتداءً بالحرية والمساواة.
استخدم الكهانة بحديثه عما يقول الإخوان، وما سيعملونه، وما يدعون إليه في المستقبل: يريدون الشباب يقبل أيديهم.. سيعملون لو نجحوا لجماعتهم فقط ولا يعترفون بالشعب المصري، أنا كلي للشعب المصري.. كهانة، دون النظر ولا العلم بما كان لهم من نجاح وفلاح في أقطار عدة، مع الحرب الدائمة عليهم من عبيد اليهود، نجوا نجاحاً كبيراً، وضربوا أمثلة رائعة في التنمية واحترام القانون والإنسان، لو علمنا الإمكانيات التي توفرت لشفيق، وما كان عليه الإعلام الرسمي من ميل عظيم لبقايا النظام، وموقف العسكريين بأنواعهم، وموقف المسحوقين والدراوش المفتين لعذرنا الشعب المصري ما نسب إليه أنه لم يصل إلى مستوى الاستحقاق والحرية والديمقراطية والعدالة.. إذا أن الشعب المصري وحقيقة أمره قد أعطى أغلبية أصوات الناخبين للثوار ومؤيدي الثورة، فمرسي والفتوح والعوا وصبحي قد أحرزوا كما قدمنا أكثرية ساحقة لكنها موزعة ويكفي الشعب المصري هذا الموقف العظيم الواعي، وبلاء الذين تسببوا بتشتت الأصوات، وإلا فما كانوا يحتاجون إلى هذا التوتر الحاصل اليوم ولا إلى جولة ثانية، ولا إلى فتح شهية الطامعين.
لكن الشعب المصري اليوم قد أظهر جاهزيته للمواجهة السلمية الثانية لرفض أحد جلاوزة النظام البائد، فلن يقبل الشعب المصري أبداً، وكيف يقبل ولماذا اثار وما هي أهم مطالبه؟ لقد قرر التغيير لا لذات التغيير ولكن للبحث عن أفضل من يحكمه ولا يتحكم فيه ولا يستعديه، ولا يضلله ولا يجهله، يريد القوي الأمين ليكون أجيراً ولا مانع أن يكون رئيساً أميراً، يلتزم عقائد وتشريعات الشعب الربانية والمنبثقة منها، وما يقرر أصحاب الرأي السديد وعلماء السياسة المعتبرة.. لذلك نزل الآن بالملايين، والوضع قابل للزيادة، ويجب على كل المظلومين أن يتحدوا، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو صوفيين، وإن كانوا قد حظوا بالرعاية في عهد النظام السابق أكثر من غيرهم، لأن أغلب الحطام يحبذون، بل يدفعون إلى الدروشة واللجوء إلى الزوايا والعزوف عن التأثير في الحياة، والاعتقاد بأن الحاكم القائم أمر الله الذي لا يرد ولا يقاوم، ولا ينكر عليه ولا يلام.. وهذا لعمري بعيد عن الشرع الصحيح والعقل السليم.
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ......... 1954