في يوم عزاء الصديق الفقيد احمد مسعد السلامي برباط السلامي يوم 25-4-2012م ؛ كنت قد التقيت برفيق عزيز وزميل دراسة في معهد باذيب الأخ/ علي محمد الأسد بعد فراق طويل، وفي سياق حديثنا عن الضالع أبلغني بتحضيرات جارية لتأبين المناضل الفقيد قاسم الذرحاني ـ سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي في المحافظة الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك وبكوني واحداً من رفاقه فقد طلب مني الكتابة عن الفقيد الراحل ومن خلاله عن الضالع لما لها من مكانة في نفوسنا جميعاً.
والحقيقة أن طلب صديقي قد جدد لدي رغبة عارمة ظلت تراودني لسنوات لقول شيء عن هذه الجغرافية وأهلها الذين لهم مكانة كبيرة في نفسي وأيضاً لتذكير عديد من الأصدقاء والرفاق من أبناء الضالع بأننا لم نمت وأننا مازلنا نحتفظ لهم بالوفاء والجميل وأن نوائب وصروف الدهر لا يمكنها أن تنسينا ما قدمته الضالع وأهلها لأبناء المنطقة الوسطى وفي مراحل تاريخية مختلفة.
فالضالع هذا الاسم له وقعه الخاص في نفسي، ربما مرد ذلك إلى العلاقة الحميمة التي تربطني بالكثير من الضالعيين، فعلى الرغم من أنني لم أسكن في الضالع منذ انتقالي إلى الجنوب سنة 1982م، إذ اسكن في عدن ومازلت، ومع ذلك شاء القدر أن يكون جاري في خور مكسر مطهر مسعد مصلح نائب، كما وأن منزلي هذا سكنه بعد انتقالي إلى منزل آخر في الشيخ عثمان الوالد عمر صالح الشعيبي.
الضالع تلازمني في حلي وترحلي وما تزال كذلك، وعليه فقد تزاحمت الأفكار والمشاعر فاحترت فيما علي قوله لرد بعض الجميل لهذه المنطقة التي أشعر إنني مدين لها بحياتي، وقد اهتديت إلى قول ما كان ينبغي قوله قبل سنوات مضت، فلسان حالي يردد الآن تلكم المقولة الشهيرة : "إن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً".
أعبر عن أسفي واعتذاري لكل أبناء الضالع ومن خلالهم لكافة أبناء الشطر الجنوبي سابقاً، وذلك لما لحق بهم من مظالم ومصادرة للحقوق - خاصة أو عامة – نتيجة حرب 94م الهمجية والانتقامية من الجنوب دولة ونظاماً ومجتمعاً، فمن هنا ومن الضالع الغالية الأبية أنقل أسفي واعتذاري لأبناء الجنوب عامة وللضالع خاصة.
اعتذر لكم جميعاً يا أصدقائي : أحمد صالح قحطان، قاسم صالح ناجي، عبد القوي الطبقي، عبدالله مساعد حميد، مثنى الزبيدي، احمد محسن البجح، عبده ثابت الشعيبي، محمد غالب احمد، يحيى غالب احمد، مطهر مسعد مصلح، شعفل عمر علي، د صالح محسن الحاج، المستشار محمد علي محسن، الصحفي الرائع محمد علي محسن، قاسم عفيف، د عبد الكريم اسعد قحطان، احمد حرمل، فضل الجعدي، عبد الرقيب الهدياني، قحطان ناشر، عسكر علي ناجي، وليد يحيى الشعيبي، أبو رياض ألمفلحي، الشيخ عبد الكريم، جمال احمد هادي وووالخ ومن خلالكم أيها العزاء إلى كل مناضلي الضالع الأحياء منهم أو الأموات.
إنه اعتذار نابع من قناعة شخصية صادقة للأهل والأحباب في هذا الجزء الغالي من الوطن والذي أحسبني أنتمي إليه بحكم مكان الميلاد لرباط ألسلامي الذي بات اليوم ضمن مكون الضالع الجديدة.
أقول هذا الكلام برغم أنني لم أشعر يوماً بثمة فارق أو تمييز ما بين مواطن ولد في الشمال أو الجنوب ؛ بل أشهد وللتاريخ أنني حظيت بمعاملة لم أجدها في مسقط رأسي الذي صار اليوم لعنة تطاردني.. تفرقني عن زملائي ورفاقي وأصدقائي من أبناء الضالع خاصة وأبناء الجنوب عامة.
فمكان ميلادي اليوم جعلني غريباً بين زملائي في العمل، يا لتلكم النظرات القاتلة لروحي وبدني ! ما أوجعني أيها الزملاء والأصدقاء ؛ فالسهام قد تصيب الجسد، أما نظراتكم فتفتك بوجداني وحياتي، إنها تمزقني وتؤلمني وأنا لستُ ظالمكم، إنني واحد منكم يا رفاقي، وقضيتكم قضيتي يا أصحابي، وحزنكم يبكيني وفرحكم يسعدني.
لكنكم يا رفاقي معذورون ؛ فما جرى لكم ليس بهين ؛ بل مرير ومذل، لقد أطلت عليكم بالحديث عن ذاتي، سأحدثكم قليلاً عن الفقيد قاسم احمد الذرحاني الذي أحسبه ينتمي إلى جيل ضالعي عملاق امتهن الوفاء والكفاح والثبات من اجل قضاياه وأحلامه الكبرى.
فمن هذا الرعيل الأول ؛ علي احمد ناصر عنتر، علي شائع هادي، صالح مصلح قاسم، قائد صالح حسين، علي بن علي هادي، سيف الضالعي، احمد صالح الشاعر، محمد البيشي، صالح حسين راشد وغيرهم كثيرون من خاضوا ملحمة تحرير جنوب اليمن المحتل واستقلاله المجيد في 30نوفمبر 1967م وتوحيده في دولة واحدة بعد أن كان مقسماً إلى 23سلطنة وإمارة ومشيخة.
نعم لقد أثبتت التجربة أن أحلام ذاك الجيل لم تكن ضرباً من الخيال أو مجرد أضغاث أحلام ؛ بل كانت واقعاً مادياً ملموساً ومعاشاً من المهرة شرقاً وحتى كمران غرباً، لم يقف ذاك الجيل عند قيام الدولة الوطنية المستقلة في جنوب الوطن ؛ وإنما تعداها إلى نطاق أكبر وأوسع من جغرافية الدولة الصغيرة المعلنة، الى ما هو رحب وأعظم.
فلم يلتفتوا الى المغانم والمنافع الشخصية مثلما عمل أقرانهم ؛ بل جل تفكيرهم وفعلهم كان منصباً بذكرى عطرة لأبنائهم في الضالع والجنوب خصوصاً وفي اليمن عموماً، تاريخ مجيد ومشرف يزهو به الأبناء والأحفاد هو كل ما خلفه أولئك الرجال الشامخون شموخ جبال الضالع الأبية التي لم تستطع النيل من نضالها وكبريائها آلة الحرب وجحافل الغاصبين الناهبين الذين ظلت الضالع عصية شامخة بوجه صلفهم وهمجيتهم، لذا استحقت أن تكون رائدة الثورات التغييرية ليس في اليمن فحسب ؛ وإنما للعرب عامة.
كما أشيد هنا ببعض من مواقف جيل الفقيد الذرحاني وأمثاله الرائعين في الماضي والحاضر تجاه أبناء مناطق جوار الضالع سابقاً أو ما تعرف الآن بمديريات قعطبة ودمت والحشأ وجبن، فمن ذا الذي ينسي مواقف الشهيد علي عنتر ؟ إذ كان آخر ما تحدث به للأستاذين احمد علي السلامي ويحيى الشامي قبيل استشهاده يتعلق بسرعة انجاز مشروع الإسكان بالضالع كي يتم إيواء الأسر المشردة من الشمال.
كما لا ننسى تلكم الجهود التي بذلها مأمور مديرية الضالع الشهيد قائد مثنى عمر الذي كان يبحث بنفسه عن البيوت المقفلة غير شاغرة في مدينة الضالع، كي يتم تسكين العائلات النازحة المشردة من المنطقة الوسطى، ناهيكم عن مواقف مماثلة قام بها أهل الضالع في القرى المختلفة في الحصين والشعيب والازارق وجحاف والذين لم يبخلوا على الأسر المشردة، إذ فتحوا لهم ديارهم وتشاركوا معهم الأرض والعيش دون منة ؛ بل وبرضا وسرور وكرم، كما وزوجوا بناتهم وأولادهم بعشرات ومئات المشردين دون النظر إلى أية مراتب أو مقامات قبلية وعائلية أو مادية، وهذا سلوك مازال أبناء الضالع يتصفون به حتى يومنا ولا يستطيع أحد إنكاره.
وفي الختام تستحضرني هنا واقعة سمعتها من مزارعي القات في مسقط رأسي العود، إذ كان باعة القات قد تداولوا مؤخراً إشاعة مفادها انفصال الجنوب يوم 7يوليو وهو ما يعني أن الحدود ستغلق كلياً، ونظراً لأن البيع في سوق الحراج يتم بالآجل في أغلب الوقت ؛ فكان أبناء الضالع يبلغون إخوانهم باعة القات بأخذ نقودهم من المحرجين، لأن الحدود ستغلق وعندها لا يستطيعون عبور الخط الفاصل لاستلام نقودهم.
عندما سمعت هذا الكلام من عديد من أبناء قريتي الذين كانوا وقتها متذمرين من دعوتهم لأخذ فلوسهم قلت لهم : لاحظوا كم هؤلاء الناس أوفياء معكم، فحتى وهم في ظروف كهذه لم يعتبروا فلوسكم غنيمة أو مطراش كما يقال في ثقافة مناطق الشمال ؛ بل طلبوا منكم أخذها وهذا أعظم برهان ودليل على وفائهم وأمانتهم وأخلاقهم.. وبعد كل ما قلناه ألا يستحق منا الفقيد الذرحاني ومجايليه الوقوف تعظيم سلام واعتذار ؟
مثنى السلامي
قاسم الذرحاني.. وجيل ضالعي يستحق الاعتذار 2605