إذا كان من الملل والمذاهب ما تنمو وتترعرع في ظل الجهل والخرافة، فإن الإسلام قدس العلم وجعله من دعائمه ودعا إليه متبعيه، وأتى كتاب الله بأعظم قانون للعلم المحض الذي لا يقبل إلا اليقين، وهو قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) كان الله يريد بهذا والله أعلم، ألا تتبع غيرك من غير علم، والعلم هو اليقين بشيء ما كما هو عليه، وكأن ربنا سبحانه يعلمنا ألا نقبل قضية مسلمة إلا ودليلها القاطع معها، ويعلمنا أيضاً ألا نعرف الحق بالرجال مهما عظموا، بل بالدليل، قال الحارث بن الحوط لعلي بن أبى طالب أتظن أن نظن أن طلحة والزبير كان علي باطل؟ قال علي: لا يا حارث، إن الحق لا يُعرف بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله) والله تعالى لم يكتفِ بتبليغ الناس وجوده ووحدانيته بل أقام الأدلة بأساليب رائعة متنوعة خاطبت العقل والحس وبإدالة باهرة وقاطعة، ويقول سبحانه مخاطباً نبيه عليه السلام: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وهذا يدل دلالة واضحة على أن الدعوة إلى الله لا يصلح لها كل مدع لها من أولئك الذين يحشدون لدعوتهم الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تغص بها كتب الوعظ، وغرائب الحكايات الباطلة، والخرافات التي تفسد الدين والعقل، وإذا ما سمعها من لم يدرِ من الدين شيئاً ظن أن الدين كله ما يتفوه به هذا النوع من الدعاة، وقد يكون أعداء الإسلام اصطنعوها وقذفوها إلينا ليشتغل بها العامة وأشباهم عن كتاب الله والصحيح من سنة رسول الله، وإذا تمسك العامة بأمر تعصبوا له وفرضوه على بعض العلماء والمرشدين ويتكلف هؤلاء أن يتلمسوا لهم دليلاً، أي دليل، ولنتصور كيف يكون الدليل لتثبيت بدعه! ولقد أجل الله القلم الذي هو رمز العلم والتعلم، فجعله مقسماً به في قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون) ليس هناك كتاب من كتب الديانات اهتم بالعمل وخاطب أهله كما اهتم القرآن، فقد ورد لفظ اسم العلم في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً، وأراد بأكثرها: الحق واليقين والبرهان ومن ذلك قوله تعالى: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون، قل فلله الحجة البالغة) كأنه تعالى يطالبهم بالحجة البالغة، كما استعمل القرآن الكريم العلم مقابل الظن استعمله مقابل الهواء وذلك في قوله تعالى: (وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم) وقد واءم القرآن الكريم بين العلم والعقل، حيث جعل العلم حيث العقل وجعل العقل حيث يكون العلم قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) فالمؤمن الحق والعالم لا يخشى العلم في هذا العصر مهما ابتدع من عجائب وغرائب، لأنه يعلم أن العلم الدينوي، منظور وغير منظور، خاضع للاسباب والمسببات، التي بنى الله هذا الكون على أساسها، وإذا قلت: ابتدع، فإنما أتجوز، والذي ينبغي أن يقال اكتشف قوانين الأسباب والمسببات بالبحث عنها، فلا عجب أن يصعُد على القمر أو يغزو المريخ أو يكتشف الذرة ما دام لا يستطيع أن يُوجد شيئاً من لا شيء، ولكن الله وحده، (هو بديع السموات والأرض) خلقهم ومن فيهما وما فيهما على غير مثال سبق، ومن لا شيء ولكن طرقتنا عوامل التخلف، ورأس هذه العوامل عدم فهم القرآن الكريم وعلومه فهماً صحيحاً من قبل بعض الدعاة وتمسكهم بأوهام وخرافات وزهد أعجمي، عزانا بها خليط عجيب من ملل ومذاهب غير إسلامية منحرفة، وما من شيء بما لم يعط وبما ليس فيه كهذه الأوهام التي تقمصت ثوباً من الفلسفة تارة ومن الدين تارة أخرى وليست منهما في قليل ولا كثير، على أن الأوهام مهما تختلف ألوانها وفنونها لا تنجم أو تظهر في أمة إلا في حال إدبارها وضعفها وما يفزغ إليها إلا أولئك الذين يفرون من مواجهة الواقع ليلتمسوا نوعاً من المرقد الروحي ـ إن صح التعبير ـ ليسكنوا إليه ويقنعوا به.
المصادر:
1. كتاب الملل والنحل
2. في ظلال القرآن
منصور الظفيري
اليقين والعلم.. وبينهما الخرافة! 1951