بعد أن سمعنا الكثير من التبجح والهرج في قضية الشرعية الدستورية التي كان ينادي بها أنصار علي صالح ذات حين، ورغم أن الشعب كان قد نزع تلك الشرعية بفعل خروجه إلى ساحات الحرية وميادين التغيير، إلا أن الزمن بأيامه وشهوره التي دارت جاء ليؤكد لكل من بقي في قلبه مثقال ذرة من شك أن هؤلاء ليس لهم من (الشرعية الدستورية)، إلا الاسم والصراخ والنواح ، وعندما يأتي موعد التطبيق تراهم ينقلبون عليها ويبطحونها أرضاً بتمردهم السخيف والأهوج .
صعد عبده ربه إلى الرئاسة بفعل شرعية أكثر من ستة ملايين ناخب، وبتأييد إقليمي وعربي ودولي، وأصبح هو صاحب (الشرعية الدستورية) في حين ذهب أنصار (الشرعية) الذين كانوا يتجمعون في (السبعين) ليشكلوا ما سُمي اعتباطاً بأنصار (الشريعة) في أبين وما جاورها، ليؤكدوا أن الأهداف بين (الشرعية) السابقة و(الشريعة) اللاحقة هي أهداف مشتركة، هدفها الإضرار بالوطن والقضاء على (الشرعية) الحقيقية المتمثلة في الدستور والقانون وإرادة الشعب .
وما قام به (المتمرد الأحمر) محمد صالح ـ قبل أن يسلم أمس ـ لا يختلف عن كل سنين التمرد على الحياة التي عايشناها بفعل إدارة النظام السابق للبلاد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، لكن هذه المرة كان هذا التمرد أشبه بالفيلم السينمائي الذي اجتمع فيه عنف وأكشن (هوليود) الأمريكية، مع خرط وهرج (بوليود) الهندية، ليظهر المخرج الكبير بفيلم (التمرد الأحمر) الذي أدى فيه دور البطولة النجم محمد صالح الأحمر، وبالتأكيد أن جائزة (الأوسكار) لن تذهب لهذا الفيلم، فقتل الناس الذي يجيده كل من شارك في هذا الفيلم ليس من أخلاقيات الفن وأدبياته ، بل ليست من قيم الإنسانية جمعاء!.
تمرد محمد صالح على قرارات (الشرعية الدستورية) بل والثورية والشعبية التي أصدرها هادي يكشف أن هؤلاء الناس لا يعرفون معنى (شرعية) ، يجيدون فقط نطقها ولا يعلمون أبجديات تطبيقها، يتغنون بها حينما توافق هواهم، وحين تخالف رغباتهم فإنهم أول المنقلبين عليها والساعين لتدميرها، يملئون بها الدنيا ضجيجا حين تعجبهم، وحين لا تعجبهم فإنهم يختفون في (دهاليز) التمرد و(أقبية) الخروج على تلك الشرعية!.
في اعتقادي أن كل ما يفعله النظام السابق الآن من خطوات وآخرها تمرد محمد صالح إنما هي لإبعاد النظر عن الولد (المدلل) أحمد ، وما جريمة احتلال مطار صنعاء والتي تعد إحدى الجرائم التي تستحق المحاكمة العسكرية لفاعليها إلا كي يقولوا للرئيس هادي (لا تفكر في الاقتراب من أحمد ، فكل هذا كان بسبب محمد صالح فقط ، فكيف سيكون إذا اقتربت من أحمد) ، لكن ما ينبغي على هادي أن يتذكره دائماً أنه لم يصعد بـ(رضا) السابق ولا أنصاره ، إنما صعد وهم في قمة الغضب منه ، وصعد بـ(الصميل) الشعبي الذي أزاح بفعل الثورة كل من ظن أنه سيخلد في العرش والذي أتى مبشراً برئيسٍ من بعده اسمه (أحمد) في خطوة لتحويل الجمهورية إلى مملكة وإن لم يتغير الاسم ، وأن من قاده إلى منصبه هم شباب الثورة بكل مكوناتها بعد أن كان مجرد (نائب) أقصى مهماته رئاسة اللجنة العليا للاحتفالات ، وعليه أن يتذكر أيضاً أنه طالما تردد في إقالة من ولغت أياديهم في دماء أبناء الشعب فإنهم سيضغطون عليه أكثر ، ولن يدعوا الشعب في حاله أبداً ، لذا فليستعن بالله ، وليعتمد على قاعدة شعبية عريضة ليست كـ(قاعدة) السابق التي يربيها ويديرها لتدمير البلاد طولاً وعرضا، وليعلم أن هيكلة الجيش هي المطلب الأبرز حالياً، فلا تؤثر فيه أفلام (التدمير) التي يصورها النظام السابق وممثليه في الوطن، بل يجب أن يقضي على مصادر القوة التي تجعلهم يطمئنون في حمايتها لهم، وأولى تلك المصادر الحرس الجمهوري والأمن المركزي... وتصبحون على هيكلة.
طارق فؤاد البنا
التمرد (الأحمر)!! 2001