مشكلة تفشي الفساد واستشراءه في أجهزة ومؤسسات الدولة والمرافق الحكومية هي أحد أبرز العوامل التي أوصلت الأمور في بلادنا إلى حالة غير مسبوقة من التردي على كل الأصعدة، الأمر الذي مثل أيضاً أحد أبرز الأسباب التي دفعت بأفراد المجتمع اليمني وفي الطليعة منهم فئة الشباب إلى الخروج إلى الشارع وإعلان الثورة السلمية منذ ما يزيد عن عام بهدف تغيير هذه الأوضاع، وقد دفع اليمنيون ثمناً باهظا ولا يزالوا يدفعون في سبيل تغيير هذا الواقع والانتقال إلى مرحلة جديدة مغايرة ووضع أفضل.
ولا يخفى على أحد حجم وطبيعة الفساد في مؤسسات التعليم بصورة عامة والجامعات الحكومية بصورة خاصة، وقد ظلت جامعة تعز– شأنها في ذلك شأن بقية الجامعات الحكومية اليمنية- تعاني ولفترة طويلة ولا تزال حتى اليوم من الفساد بصوره وأشكاله المختلفة المالي والإداري، والتعليمي والأكاديمي،وهو وضع أصبح يدركه كل من يعمل في الجامعة أو يتعامل معها، بل إننا لا نبالغ إذا ما قلنا أن الكثير من الممارسات الفاسدة في الجامعة لم تعد تتخذ صورة عشوائية بقدر ما تبدو وكأنها قد تحولت إلى حالة من الفعل المنظم والفساد الممنهج.
وعلى الرغم من أن الجامعة كانت قد شهدت خلال الأشهر الماضية موجة من الاحتجاجات الاعتصامات من قبل أعضاء هيئيه التدريس، والموظفين، والطلاب، للمطالبة بتصحيح أوضاع الجامعة وتغيير القيادات المتورطة في ممارسة الفساد، أو المسئولة عن تفشيه في الجامعة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث على الرغم من الزيارة التي قام بها وزير التعليم العالي والبحث العلمي للجامعة وإطلاعه على حقيقة ووضع ما يجري في الجامعة، ووعوده بمعالجته وهو ما لم يتحقق منه شيء.
أما عن دور رئاسة الجامعة وإدارتها فإنها وبدلاً من أن تقوم بمعالجة المشكلات ووضع حد للتجاوزات والمخالفات التي تشهدها الجامعة، فقد سعت جاهدة لمحاولة احتواء المطالب المتعلقة بالتغييرات وتصحيح الأوضاع والممارسات الفاسدة، إما بإطلاق الوعود بالتصحيح - وهي وعود لم ولن يتحقق منها شيء في الواقع، لأن الجميع يعرف سبب ذلك - أو من خلال تشكيل لجان لتقصي الحقائق حول ما يقُدم لرئاسة الجامعة من شكاوى عن تلك المخالفات والتجاوزات.
والحقيقة التي أصبحت جلية للعيان هي أن مهمة مثل هذه اللجان بدرجة أساسية أصبحت تتمثل بإخفاء الحقائق والتعتيم والتستر على المخالفات والتجاوزات التي تحدث في الجامعة والكليات التابعة لها، إن لم يكن تبريرها وشرعنتها.
وحتى لا يكون الحديث مرسلاً وعلى عواهنه وللتدليل على ما أشرنا إليه أعلاه نقول: إنه وقبل أكثر من شهرين من الآن تصاعدت احتجاجات أعضاء هيئة التدريس والطلاب في كلية الآداب ضد مظاهر الفساد في الكلية سواء فيما يتعلق منها بالتعيينات أو الترقيات أو التجاوزات المخالفة للوائح والقوانين وتقديم شكوى مكتوبة ومفصلة لرئيس الجامعة بطبيعة تلك التجاوزات، حيث قام على إثرها بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول تلك المخالفات والتجاوزات، إلا أنه ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم لا نعرف إلى ماذا انتهت إليه هذه اللجنة، وعند السؤال عن ذلك يكون الجواب دائماً أن اللجنة قد سلمت تقريرها لرئاسة الجامعة، مع العلم أن تلك التجاوزات لا تزال مستمرة.
ولا تزال رئاسة الجامعة تتبع الأساليب عينها في التعتيم والمغالطات، ومثال على ذلك أيضاً اللجنة الأخيرة التي شكلتها الجامعة قبل أسابيع للنظر في المشكلة التي حدثت في كلية العلوم الإدارية، وعلى الرغم من التجاوز الفاضح تجاه أحد الزملاء من أعضاء هيئة التدريس في الكلية والذي كان يفترض بعمادة الكلية وإدارة الجامعة أن تنصفه لا أن تتآمر عليه.
إن لجان تقصي الحقائق التي تقوم رئاسة جامعة تعز بتشكيلها عند حدوث أي مشكلة أو تقديم شكوى تتعلق بمظاهر الفساد الذي تشهده الجامعة، أصبحت تشكل إحدى أهم الوسائل التي تستخدمها إدارة الجامعة لتمييع قضايا الفساد وعدم وضع حد لها، والعجيب في الأمر أن رئيس نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة - دون سواه من أعضاء النقابة - دائماً ما يكون عضواً في هذه اللجان، مما يجعلنا نتساءل: عن حقيقة الدور الذي تطلع به نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة فيما يتعلق بالممارسات الفاسدة التي تحدث في الجامعة، ومدى التزامها بالدفاع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس وقضاياهم؟.
خلاصة القول: إن جامعة تعــــز تعيش أوضاعاً مزرية لا يخفى حالها على أحد وعلى كل المستويات الأكاديمية والإدارية والمالية، وإن هذا الصرح العلمي والأكاديمي في المحافظة، قد أصبح مرتعاً للفساد، والمفسدين بل إن المفسدين في هذه الأيام في سباق مع الزمن ((نلحق نخلص أمورنا قبل التغييرات)) والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الصمت؟ أليس الأجدر بنا نحن أعضاء هيئة التدريس كقادة فكر وصفوة المجتمع ومعنا كل المنتسبين لهذه الجامعة أن نتصدى وبقوة لكل الممارسات الفاسدة وللمفسدين ؟ ثم لماذا لا يقدم أعضاء الهيئة الإدراية لنقابة أعضاء هيئة التدريس استقالاتهم عبر مؤتمر عام للنقابة ليتم انتخاب هيئة إدارية جديدة تتحمل مسئوليتها تجاه أعضاء هيئة التدريس وما يحدث في الجامعة عموماً، بدلاً من أن يظلوا يتحججون بطبيعة الوضع السيئ وبأعذار واهية لمحاولة التنصل من مسؤوليتهم تجاه ما يحدث في الجامعة؟!.
أملنا كبير جداً في أن تولي القيادة الجديدة بقيادة الأستاذ القدير/ شوقي أحمد هائل ـ محافظ المحافظة ورئيس المجلس المحلي، جامعة تعز الاهتمام المطلوب والكافي الذي يليق بها باعتبارها المؤسسة الأولى على مستوى المحافظة، لاسيما وأن أبناء وشباب هذه المحافظة قد دفعوا حياتهم وأرواحهم ثمناً باهظاً سواء كان في هذه المحافظة أو في غيرها من الميادين والساحات من أجل تغيير الواقع الذي نحن عليه اليوم، ومن غير المقبول إطلاقاً أن يستمر الوضع السيئ في جامعة تعز على ما هو عليه الآن.
د/ ذكرى العريقي
استمرار ممارسة الفساد في جامعة تعز ودور لجان تقصي الحقائق 1979