قبل سنتين تقريباً كتبت مقالات عن المعلم البديل في التعليم العام في الريف، وكيف أن بعض الموظفين في مكاتب التربية والتعليم يتواطئون مع المعلم المتغيب بجلب شخص للتدريس قد لا يكون مؤهلاً للتعليم، بل قد لا تكون له علاقة البتة بالعملية التعليمية، فيحشرونه في الفصل الدراسي ليدرس بدلا عن المعلم الأساسي بمقابل زهيد لا يتعدى ربع مرتب المعلم الأساسي، ثم يتقاسم باقي المرتب كل من المعلم الغائب ومدير المدرسة أو مدير الإدارة التعليمية أو الشخص الذي يفبرك الموضوع ويغطي على المخالفات، وعلمت أن بعض المعلمين الأساسيين لم يعودوا في البلد، ولكنهم يقايضون المسئولين بالتنازل عن مرتباتهم في سبيل بقاء الدرجات الوظيفية بأسمائهم، عملا بمبدأ (الوظيفة الثابتة تنفع في الأحوال الواقفة) وبالرغم من تدهور التعليم فلا تزال مشكلة المعلم البديل كما هي..
ولم أكن أتخيل أبداً أن يتطور الأمر وأجد الأستاذ البديل في الجامعة، فكما يبدو أن لعنة (2011) قد أصابت كثيراً من الضمائر إلى درجة أن بعض الأساتذة الفضلاء بتعاون من رؤساء أقسامهم يضعون أسماءهم على الجداول الدراسية لضمان المرتب الجامعي، ثم يجلبون أشخاصاً من خارج الجامعة للتدريس بدلهم، لأنهم مشغولون بأمور أخرى، ويتم جلب الأستاذ البديل خلسة بدون موافقة مجالس الأقسام ولا مجالس الكليات، والله العالم كيف يحصل الأستاذ البديل أجور التدريس ؟!...
هذه حقيقة مرة كشفتها شكوى مجموعة من الطلبة، الذين وجدتهم قبل أيام في إحدى الكليات يحملون ورقة مكتظة بالأخطاء اللغوية عليها عشرات التوقيعات، يطالبون فيها بحضور الأستاذ الأصلي لمادة من المواد، لأن البديل -حسب شكواهم- غير متخصص، ولا يفهمون منه شيئاً..
وللأسف تم إحالة شكواهم من قبل المسئول لرئيس القسم المخالف للإفادة، وأتوقع أن الفصل الدراسي سينتهي قبل أن يتم وصول الشكوى إلى مرحلتها الأخيرة..
ولأن الاستجابة لمعالجة المشكلات في الجامعات الحكومية بطيئة جداً، فسوف يفرض المعلمون البديلون أنفسهم على قاعات الدرس الجامعي رغم أنف الطلبة تحت مبرر الظروف الاستثنائية التي تمر بها الجامعات، وطمعا في أن تسير الأمور في صالح تثبيتهم مستقبلاً..
وربما إذا تحرك الطلبة للاحتجاج على ما يحدث وصعدوا الأمر، فقد ينقلب الحال إلى عكس ما يريدونه، فيصبح وجود الأستاذ البديل أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه، وقد يتم تشكيل لجان للتحقيق لامتصاص غضب الطلبة، كما يحدث في كل قضايا الفساد في الجامعات الحكومية، وقد تساهم هذه اللجان في إطالة مدة بقاء الأستاذ البديل تحت بند الوفاق والاتفاق، وربما تنام تلك اللجان حتى يتخرج الطلبة بتقدير (عاطلين إلى الأبد) ، بل ولا يستبعد أن تُجهز للأستاذ البديل ثغرات قانونية تمجده وتوصله إلى مواقع صنع القرار الجامعي، فليس عدلاً أن يخدم الجامعة في هذه الظروف الاستثنائية ثم تتخلى عنه بسبب زوبعة طلاب تحركهم أطماع حزبية كما هو معروف عند إثارة كل قضية فساد في الجامعة...
إصلاح التعليم الجامعي سيظل هدفاً بعيداً عن التحقيق مادام القرار غائباً حتى في المخالفات الواضحة، ومادام التأجيل سيد العمل اليومي في كل الأحوال، ومادامت قضايا الفساد القديمة نائمة في أدراج اللجان، ومادام كل مسئول يأتي إلى مواقع صنع القرار الجامعي يبدأ عمله بالشعار المصري:(أنا ابن النهار دا) لأن معنى ذلك أن السوس سيظل ينخر في الأساس، وكل الخطط المستقبلية سيتم بناؤها على أرض هشة، وستصبح الإصلاحات صورية على جدار من ورق، وربما قريبا سنشاهد الطالب البديل يشهر هويته في وجوه لجان الاختبارات الجامعية بكل جرأة، وما على المتمسكين بالنظام والقانون ساعتها إلا أن يغمسوا القانون في قارورة الماء ثم يشربون خلاصته قبل أن يموتوا بحسرتهم.
- أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية – جامعة صنعاء suadyemen@gmail.com
د. سعاد سالم السبع
الأستاذ البديل في الجامعات اليمنية!! 2202