استطاعت اليمن بحمد الله تعالى أن تقدم نموذجاً رائعاًً للتغيير السلمي، جعل العالم كله يتطلع إلى النموذج اليمني باعتباره حلاً قابلاً للتطبيق في الحالات المشابهة للثورة اليمنية المباركة، وهو ما يعني تجسيد الحكمة اليمنية التي أخبر بها النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.
وتميز النموذج اليمني بالإصرار على السلمية برغم كل المحاولات للزج باليمن في أتون الحرب للانتقام من اليمنيين الذين يكسرون قيد الاستبداد، وينهون عهد المستبد، وكان الإصرار على السلمية خيارا لا رجعة عنه، فالجيش الحر المدرب تدريبا عاليا قدم التضحيات الجسيمة من خيرة ضباطه وأفراده دون أن ينجر إلى لغة البندقية بل أعلن اللواء علي محسن مساندته السلمية لثورة الشباب السلمية، وأحرار الجوية الذين يملكون الجو، ويطيرون بالطائرات الحربية، لم يفكروا في العنف وإنما اتجهوا إلى النضال السلمي ليكونوا أول جيش يختار النضال السلمي في العالم لانتزاع الحقوق وإزالة الظالمين، وصمدوا سبعين يوما حتى حرروا سلاح الجو اليمني معلنين بذلك فصلا جديدا في الفكر العسكري، يؤكد أن العسكرية عقل يفكر قبل أن تكون عضلات تدمر، وأن وطنية الجيوش تعني الحفاظ على الأوطان، لا حماية الأشخاص.
وتميزت الثورة اليمنية المباركة بالسيطرة على الفعل فلم تفقد الثورة بوصلتها في مسيرتها التي تجاوزت العام، لم تسقط في فخ ردة الفعل، ولا مطب التهور وهو المنعطف الخطير الذي سلم الله بلطفه الثورة السلمية من الوقوع فيه، وبالتالي لم تنتقل الثورة من أجندتها إلى أجندة المخلوع، ولم تترك جدول أعمالها لتسير في متاهات الظالم المستبد، وإنما تمسكت بأهدافها خطوة بعد خطوة الأولى تمثلت في خلع رأس النظام، والثانية تسير في خلع العائلة، وقد نجحت الثورة في تحويل رموز العائلة إلى متمردين على النظام وخارجين عن تنفيذ أوامر القائد الأعلى، ومن هنا تمكنت الثورة من عزل المتمردين مرتين مرة بالقرار ومرة برفض القرار، وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر.
أنجزت الثورة القدرة الفائقة في التغيير عن طريق الالتفاف على الجدار وتحاشي الاصطدام به، لم يصطدم الجيش المؤيد للثورة برفاق السلاح من الجيش الذي لم ينضم للثورة، لم يقتتل أبناء القبائل فيما بينهم، لم تنجر البلاد إلى العنف، فوجئ صالح وهو أمام الملك عبد الله آمرا له بالتوقيع غير ملتفت للأعذار، وكتمت البلاد أنفاسها حذرا من تسعين يوما بين التوقيع والاقتراع، وجاء نصر الله للشعب اليمني في يوم 21 فبراير حين خرجت الملايين تنتخب مرشح التوافق الوطني المشير الركن عبد ربه منصور هادي رئيسا توافقيا للجمهورية اليمنية.
إن الثورة اليمنية مطالبة اليوم أن تدهش العالم بقدرتها على البناء كما أدهشت العالم في قدرتها على الثورة السلمية، لتتمكن اليمن من الولوج زمن اليمن الجديد، وذلك يستوجب الآتي:
أ ـ التركيز في فعل الصواب من خلال فعل الخطوات الصحيحة وكل خطوة صحيحة تعني إزالة جزء من الظلام، وزرع مساحة جديدة من النور، ويكون ذلك من خلال الالتفاف حول قرارات الرئيس هادي من جهة لتثيبت أقدام الوطن على الطريق الصحيح، طريق التغيير والبناء، ويكون هذا على المستوى الحكومي والمستوى الشعبي أيضا بمعنى أن تتجمع جهود الخيرين نحو البناء.
ب ـ عدم الاستماع للشائعات، فالشائعة سلاح يستخدمها بقايا النظام وعبيد العائلة، ومن هنا يجب على الثوار تلاحم الصفوف وتماسك الجبهة الثورية بامتداد الوطن، وكل ما ينبغي إدراكه بوضوح أن القرارات التي يتخذها الرئيس المنتخب تصب في اتجاه واحد هو إخراج اليمن من النفق المظلم، وبالتالي فلا بد من السير بالبلاد برفق، والتغيير بالتدوير مرحلة لا بد منها.
جـ ـ ثبات الخطى على طريق الثورة والتغيير وبناء اليمن الجديد، بخلع بقية العائلة وعبيدها وتغذية الجهاز الحكومي بالكفاءات الوطنية، والقدرات النظيفة؛ فالقاعدة في الجنوب أو الحوثية في الشمال أو رفض أوامر القائد الأعلى يجب أن لا تثني الرئيس هادي ولا حكومة الوفاق عن السير قدما في التدوير والتغيير، واليمنيون بفضل الله عز وجل قادرون على بناء اليمن الجديد، فها هو الجيش والشعب يد واحدة ضد كل المؤامرات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. محمد عبدالله الحاوري
النموذج اليمني في الثورة والبناء 2120