شيء غريب وغامض تعيشه الحياة السياسية المصرية، مزيد من الخلافات والانشقاقات بين التيارات والأحزاب التي اتحدت لتغيير نظام مبارك وبعد ذلك انقسمت على نفسها وقامت باتباع سياسة ممنهجة لتشويه كل الفرقاء السياسيين وأدت في النهاية لأغلبية برلمانية جاءت معبرة عن الصناديق وآراء الناس ورغباتهم، ولكن حدث ما لم يتوقعه من قاموا بالكفاح من أجل نواب حقيقيين، فانقلب النواب على الشعب ويريدون الآن السيطرة على كتابة دستور مصر، فهل يحق سيطرة فصيل معين يحظى بالأغلبية الآن وربما يخسرها غداً أن ينفرد بكتابة الدستور؟ ولماذا لم يتعلم من دروس التاريخ أن ديكتاتورية الأغلبية دائماً تنهي حكومات وأنظمة وكأن قدر للشعب المصري أن يرزقه الله بأغلبية تفعل ما لا يريده على مر العصور، ولكن في مصر شرفاء أحرار يقاتلون من أجل المشاركة السياسية لكل القوى من أجل كتابة دستور توافقي لكل المصريين يعبر عن الحالة الثورية التي يعيشها الشعب المصري.
ودائماً قضاء مصر الحر يقف بجوار الحق وجاء اليوم قرار القضاء الإداري ببطلان تأسيسية الدستور وحل اللجنة المشكلة وهذا يعتبر أكبر انتصار للديمقراطية والحرية .
جاء قرار مجلس الدولة ببطلان تأسيسية الدستور قراراً صائباً جداً، لأن يعزز مفهوم المواطنة والمشاركة في صناعة الدستور وعدم سيطرة فصيل معين على دستور مصر ونتمنى أن يتعلم الجميع أن الحوار والمشاركة الراشدة أفضل من الأغلبية المكابرة التي تتخيل أن كل شيء يمكن فرضه على الشعب بدافع أنهم الأغلبية ودائماً ينتصر الشعب على كل من يتخيل نفسه أكبر من الشعب، ولكن السؤال الآن هل توافق الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى على قرار مجلس الدولة أم يفعلوا كما فعلت الأنظمة السابقة بعدم تنفيذ قرارات القضاء تحت ذريعة أن المجلس سيد قراره؟ هل ترضى الأغلبية بقرار القضاء الذي جاء لإعادة إحياء دولة القانون التي يتمناها الشعب .
ماذا سيحدث الآن وما السيناريوهات المتاحة لكتابة دستور مصر؟ ونحن على أرض الواقع أمام عدة احتمالات أشدها هو تعنت الأغلبية ورفضها قرار المحكمة والطعن علية وأن تبدأ أجهزتهم الإعلامية ودعاتهم وأبواقهم في نشر أن القضاء يرفض ذلك لأن الليبراليين والعلمانيين يرفضون كتابة دستور إسلامي وندخل في موجة من موجات الحشد والتجييش لكل أتباع منظومة الإسلام السياسي بحجة الدفاع عن المادة الثانية من الدستور ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وهنا ستدخل مصر في نفق مظلم لا أحد يعلم إلى أين سينتهي وهل ندخل في صراع جديد يتخذ الدين ستاراً له في حالة الصراع السياسي من أجل السيطرة على مصر؟.. والسيناريو الثاني الذي نتمنى تطبيقه هو أن ترضى الأغلبية بقرار المحكمة ويبدأ مجلس الشعب في انتخاب صناع الدستور على أساس علمي ويحقق كل مبادئ المواطنة والمشاركة لكل الشعب المصري في أن يكتب دستوره الذي يمثل العقد الاجتماعي الجديد لكل المصريين .
في كل دول العالم المتقدمة لا تمثل صناعة الدستور أزمة كبرى مثلما يحدث في مصر، لأن الجميع يبحث عن دستور حقيقي يحتوي على كل المبادئ الحقيقية والقوانين التي تعزز للمساواة والحرية وعدم انفراد تيار أو حزب أو مؤسسة بمقاليد الأمور داخل الدولة والحفاظ على حقوق الأقليات، ولكن لدينا في مصر الأمر مختلف، فتحول إلى لعنة تمزق مصر وتدخلها في نفق مظلم وحرب تكسير العظام بين الأغلبية والأقلية، فالأغلبية تريد أن تستحوذ على كل شيء فالجميع يعلم أنهم جاهدوا بكل قوتهم لاختيار الموالين والمنتمين لهم فكرياً وعقائدياً وتم إقصاء طبقات عديدة من الشعب المصري ورفضوا أن يستمعوا لصوت العقل وأن المشاركة أفضل من المغالبة وتخيلوا أن كل شيء قانوني ولن يحدث شيء وأن القضاء سيحكم لهم، ولكنهم الآن سقطوا في فخ الأغلبية التي تريد الاستحواذ على كل شيء وأصبحت فعلياً لا تعبر سوى عن نفسها .
علينا جميعاً التعاون من أجل مستقبل مصر ونتمنى أن يتعلموا من هذا الدرس جيداً وأن في مصر شرفاء لن يتركوا مصر تخرج من ديكتاتورية إلى نظام الحزب الواحد الذي يسيطر على كل شيء وأن الدستور القادم للمصريين جميعاً.
DREEMSTARS@GMAIL.COM
محلل سياسي مصري
د. إيهاب العزازى
لعنة الدستور وغباء الأغلبية 1888