كثيراً ما روج النظام العائلي لمفاهيم عديدة من ضمنها متمرد وعميل حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت تلك المفاهيم والتسميات تطلق بشكل تلقائي كرديف لمصطلح ثائر أو مناضل يبحث عن الحرية هكذا وصل الحال بكل من يطالب بحقه تطلق عليه تلك التسميات دون استثناء حتى أصبحت تلك المصطلحات جزء من الحياة السياسية وشائعة لدى الإعلام الرسمي للأنظمة العربية لاسيما الإعلام اليمني للنظام السابق والذي أضاف إلى ذلك مصطلحاً جديداً لتصبح كلمة ثائر لها مفردات عديدة متمرد وعميل وانفصالي وان الوحدة خط أحمر لا يمكن تجاوزها لأنها عمدت بالدماء، هذا هو لسان حال سياسة الإعلام الرسمي للأنظمة العربية ومن المؤسف أننا كنا نصغي لتلك الحكايات الهزيلة التي لا تمت للوحدة بمعنى وأيضاً نتجاهل ما يحدث ونحن نعرف جيداً من خلال متابعتنا للتاريخ القديم والمعاصر أن الثورات فقط هي من تعمد بالدماء وليست الوحدة ولا توجد وحدة على مر التاريخ عمدت بالدماء سوى وحدة علي صالح، هذه الوحدة التي تحولت من وحدة إلى وحشة كلفتنا الكثير والكثير وياليتنا ما توحدنا في ظل نظام ديكتاتوري شمولي لا يتحدث إلا بلغة الذات وكأن الوحدة ملك يمين, كان من المفترض قبل أن نتوحد تحت مفهوم وحدة وطنية كان علينا أن نتوحد تحت مفهوم وحدة ثورية نضالية مفادها إسقاط نظام الفرد والعائلة الذي جعل من الوحدة شماعة للسلب والقتل والتنكيل تحت مسمى الحفاظ على قدسية الوحدة والديمقراطية التي ليست لها أساس في واقعنا السياسي ولم نرى من خيرها سوى المآسي والكوارث التي حلت بشعب اليمن جنوبه وشماله ابتداءً من صيف 94، الذي ترك آثار عميقة في نفوس كل اليمنيين وزاد من حدة الاحتدام بين شطري الوطن مخلفاً تراكمات ضخمة من الأحقاد والضغائن في وسط الوطن الموحد فكرياً وتاريخياً منذ الأزل غذيت من قبل أيادٍ نافذة بطرق ممنهجة، هذا شمالي وهذا جنوبي حتى وصل الأمر إلى أن وصلت تلك الآفة الخبيثة التي كادت أن تدمر المجتمع اليمني برمته إلى كل عائلة وبيت في الوقت الذي كانت فيه مثل هذه الظاهرة غير معروفة بل منعدمة قبل قيام وحدة صالح.
أنا لا أقصد هنا من خلال حديثي أن الوحدة باتت ممقوتة ولا بد من فك الارتباط، هذا ليس حلاً وليس ما أقصده وما قصدته هو أن الوحدة اليمنية باتت هزيلة ومشوهة بسبب بعض الحماقات التي ارتكبها النظام السابق بحق الجنوب أرضاً وإنساناً وبالتالي كان لابد من إعادة ترميمها وهذا بتقديري سيتحقق بفضل وعي الشباب الثائر والأهم من ذلك النظر للوحدة اليمنية بعين الاعتبار كمشروع شراكة ينبغي علينا أن نحافظ عليها جميعاً ونضعها أمام نصب أعيننا حتى لا يشعر أحد منا أنه أصل والآخر فرع, نريد أن يفهم الجميع أننا أمام مسؤولية وطنية وتاريخية والأصل هو الوطن وكل ما سواه يعد فرع يندرج تحت خارطته الواسعة, لابد أن ندرك جيداً أن الوحدة يجب أن نغذيها بالإخلاص والحب المتبادل فيما بيننا وإلا ربما نفقدها في أي لحظة .
على العموم الوحدة اليمنية لم تكن وليدة يومها بل هي امتداد لمشروع تاريخي وممكن إدراك ذلك أثناء محاولتنا للغوص في أتون قراءة عميقة لواقع الحدث، سنجد أن الوحدة اليمنية حدث تاريخي هام في سلسلة الأحداث التاريخية التي مرت بها اليمن وبالتالي كان تحقيقها بمثابة حلم توصل إليه أبناء اليمن عبر مراحل تعاقبت فيه الأجيال والذي استطاع جيلنا هذا تحديداً تحقيق ذلك الهدف المنشود في الوقت الذي كانت فيها ظروف الحياة الثقافية والاجتماعية والأدبية تتجه بنا نحو ضرورة الوحدة وحتميتها، باعتبارها غاية في الأهمية لها جذورها الضاربة في عمق تاريخ الإنسان اليمني، ناهيك عن أهميتها الحضارية والفكرية والتي جاء معززاً لها الجانب الإيديولوجي والقومي حتى انتهاء الأمر بتحقيقها, فحقيقة الوحدة ليست شمالاً أو جنوباً كما يعتقدها البعض وليست أيضاً اتفاقية تم التوقيع عليها في 22 مايو عام 90, الأمر أكبر من أن تختزل الوحدة بمساحة جغرافية أو بوثيقة من يخل بشروطها يدعى متمرد, هذا ليس صحيحاً وليس من الواقع أن تؤخذ الأمور بهذه الكيفية لأن الوحدة اليمنية وحدة تاريخ وإنسان تجانست سلوكياته وتقاربت ثقافاته فأصبح من الصعب أن يعيش المواطن الشمالي بدون المواطن الجنوبي والعكس هذه الثقافة أضحت سائدة وتعني بدرجة كبيرة أن الوحدة اليمنية قبل أن تكون وحدة جغرافية هي في الأساس وحدة إنسانية وعليه جاءت الوحدة اليمنية عند رغبة المواطن اليمني وليست عند رغبة الساسة ممن يزعمون أنهم صانعو الوحدة ولولاهم ما قامت الوحدة.. من المعيب بل من المعيب جداً أن ينسب أحد الوحدة لشخصه ويعتبر شخصه صاحب الامتياز في صنع الوحدة وهو بالعكس من وأد الوحدة في مهدها ودمر حلم شعب ومستقبل جيل انتظر ثمرة هذا الحدث التاريخي بفارغ الصبر..
Fawaz.alabdly@gmail.com
فواز العبدلي
الوحدة اليمنية امتداد لمشروع تاريخي 2027