ينقضي علينا مرور شهر منذُ أجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة وانتخاب المشير عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للجمهورية وفقاً للمبادرة الخليجية والياتها التنفيذية التي كانت مخرجاً مقبولاً لحلحلة الأزمة السياسية في بلادنا رغم أنها جاءت من اجل احتوى الثورة الثالثة في اليمن بعد احتوى سابقاتها خصوصاً من بعض دول الإقليم التي لا تزل واضعه نفسها المتحكم الرئيس في مصير اليمنيين ورسم ملامح مستقبل بلادهم والانقضاض على أي محاولة لتأسيس دولة مدنية تلبي طموحات وتطلعات اليمنيين في العيش الكريم وحظي هادي في الانتخابات بإجماع كبير من قبل اليمنيين لاسيما في المناطق الشمالية لطموحهم في التغيير ورفضهم لاستمرار الظلم على العكس مما حدث في الجنوب الذي لا يعكس عدم حب الجنوبيين لهادي وإنما لفقدانهم الثقة في إطراف الصراع وعلى وجه التحديد القوى التقليدية التي تتحكم في الحياة السياسية في صنعاء وعلى رأسها الرئيس السابق الذي يترجم بإعماله بأنه يعيش استراحة محارب وسيعود بعدها لممارسة مهامه علنياً ، ولإيمانهم الراسخ بان هذه القوى لن تفسح المجال للتغيير وتترك الرئيس الجديد في حاله لتنفيذ تلك المبادرة حتى وان أغفلت القضية الجنوبية ، وليؤكدوا بذلك الموقف استحالة قبول تلك القوى بهادي رئيساً على الواقع وهذا الموقف مبني على قناعاتهم بان السلوك السياسي لتلك القوى خالي من أدنى معايير المساواة والعدالة الاجتماعية مجسداً نظرة قاصرة تجاه أبناء الجنوب ومعاملتهم بالطرف المهزوم الأمر الذي يرونه بقطع الطريق أمام أي تغيير قادم.
فالكل يعرف جيداً منذُ 94 م أن هادي لا يطمح في الرئاسة ولن يترشح يوماً ما لهذا المنصب في ظل وجود أزمات مركبة يتم ترحيلها وظروف سياسية صعبة وعدم توافر عوامل مساعدة له لتحقيق نجاحات سياسية ظلت هاجس الرجل .. إلا إن الظروف والوقائع التي مر بها اليمن خلال عام 2011م وضعت الرجل إمام خيارين كلاً منهما أمر من الآخر وكان عليه إن يقبل بان يكون رئيساً توافقياً بدلاً من استقلال رفضه وتحويله إلى شماعة يعلق عليها المتصارعون النتائج المدمرة وشهوات حبهم وجنونهم وتعلقهم الأبدي بالسلطة، فإذا نظرنا بعمق لتصريحاته وحواراته من أول حوار تلفزيوني مع الـ cnn منتصف العام الماضي الذي لا يزل مضمون حديثة حياً متجدداً يعكس شجاعته وصراحته وحرصه على معالجة كافة قضايا الوطن وبنظرة ثاقبة تؤكد انه قبل لنفسه بهذا الوضع ليمنع أي تدهور أو انزلاق لليمن نحو المجهول.. لطالما بات واضحاً للشعب اليمني أن جهوده لن يكتب لها النجاح إلا بتعاون الجميع وأولهما القوى السياسية وفي مقدمتهم الرئيس السابق والمؤسسة العسكرية والأمنية وبقايا نظامه وأدواته المختلفة الإعلامية والمالية والعسكرية والأمنية الدستورية والخارجة عن الدستور التي يتم تفعيل عملها كالقنبلة الموقوتة بين الحين والآخر لإعاقة جهود الرئيس الجديد.
ومع هذا فجميع الأطراف المتصارعة أصبحت تتعامل مع تنفيذ المبادرة الخليجية من منظور ماذا سيتحقق لها من أهدافها الظاهرة والأخرى الخفية؟، سواء لبقايا النظام أو للمعارضة فالأهداف الظاهرة جميعها تؤكد التوافق على تأجيل العملية القيصرية لولادة المولود الجديد سوىً كان مشوها أو غير ذلك، إما الخفية فلكل أهدافه المختلفة عن أهداف ومصالح الآخر لكنها تتقاطع مع بعضها في الوصول إلى السلطة وإعادة إنتاج الماضي والعمل على تكريس الفترة الانتقالية كاستراحة مقاتل لكليهما وجعل هادي كبش فدى توافقي لتحقيق ما خفي من أهدافهما، فكل الشواهد تبرهن نية الإطراف في خلق هذا الواقع ولجعل الرئيس المهزوم في نظرهم لانتمائه في وضع "كبش فدى توافقي " وإبقاءه في مربع الجمود لإفشال ما يطمح إليه لتحقيق التسوية السياسية التي يتطلع لها لكل اليمنيين والمجتمع الدولي، فإذا نظرنا إلى وضعه كرئيس جمهورية من حيث الأدوات والأجهزة التابعة له يتبين أن الطرفين وخصوصاً الرئيس السابق إبقاء على كافة الأدوات تحت سيطرته غير العلنية لاعتقادهم بنظرته انه لا يزل رئيساً وبعد انقضى الاستراحة سيعود مجدداً وكان الرئيس هادي جسر العبور الآمن او تحت الإقامة الجبرية او في وضع نائب، بداً بحراسته واستقبالهم لمواكب أطراف الأزمة واستفزازهم الذي يجرح شعور الجنوبيين ووصولاً بتمرير كل ما تريده الأطراف وعدم التعاون معه وكان آخرها إصدار قرار اعتماد رواتب لضحايا الاحتجاجات السلمية عام 2011م وإغفال القرار وضع ضحايا قمع احتجاجات الحراك الجنوبي السلمي منذُ 2007م .
إن ما يتعرض له هادي من تقويض لجهوده الوطنية النبيلة والتعمد لوضعه في هذا الوضع كان يتوقعه الجميع وأعتقد أنه أيضاً متوقع منه بحكم معرفته الجيدة بالواقع السياسي لليمن وتركيبته القبلية الصعبة وكيفية تعاطي الإطراف معه خصوصاً وإن مسالة قبوله للرئاسة كانت بالنسبة له أهون الخيارين ومرتبط نجاح برنامج فترته بتعاونهما، واليوم وفي ظل هذا الوضع المتفاقم والمتأزم وبعد إن أصبح الجميع يدرك تبعات ونتائج ما يتعرض له رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي التي لا يتحمل مسئوليتها الوطنية والسياسية والأخلاقية تجاه الوطن والمواطن والمجتمع الدولي سوى أطراف الأزمة نفسها، وثقة المواطن البسيط ببراءة هادي منها بسبب انعدام الأدوات المساعدة لجهوده وخطواته السياسية لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن وتجاذب الطرفان أجهزة الإعلام والأمن والجيش والمالية وجعل جهود الرئيس الجديد رهينة لأهواء مصالحهما وتحويل تلك الأجهزة من أدوات مساعدة ينبغي أن يتناغم نشاطها مع جهوده لإنجاح الحوار وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وفرض الأمن والاستقرار إلى أدوات تعيق توجهاته وبرنامجه السياسي وخطواته الصادقة الهادفة لتنفيذ بنود المبادرة الخليجية ومنع أي انزلاق للبلد إلى المجهول، فان هذا الوضع يحتم على كافة القوى السياسية والشرائح الاجتماعية والثقافية اليمنية الخيرة تدارسه والوقوف إمامه بصدق وجديه لوقف أي تداعيات له مستقبلية قد تؤثر على تحقيق الحد الأدنى من النتائج المعول عليها في التسوية السياسية والعمل بصورة جماعية لصد الأبواب المفتوحة التي تشكل تحدي سافر وخطر جديد يهز ثقة المواطن بإمكانية حدوث التغيير، ومنفذ لتسويق وإشاعة الروح الانهزامية للتسليم بإعادة إنتاج النظام السابق أو ما يشابهه والذي سيقود الجميع إلى خيارات صعبة تكون نتائجها مردودة على إطراف الصراع وحدهما فقط دون هادي ، فالأيام حبلى بالمفاجآت وعلينا إن لا نستقرب لما هو قادم حين يغلب السحر على الساحر ، وتبرز النتائج العكسية لتلك الممارسات وأصحابها لتميط اللثام عن الوجه الحقيقي لطرفي الأزمة ولتكشف عورتهم ومدى زيفهم وخداعهم للشعب ولتزيل الغشاوة التي دأب النظام على وضعها وتفنن برسمها على عيوننا كي نرى هادي بصورة مغايرة للواقع وجعله محل الضحية وكبش الفدى التوافقي لتحقيق مطامعهم وشرورهم لإعادة إنتاج ماضيهم الأسود وبقائهم في السلطة ، وستزال تلك الغشاوة لنراه على حقيقته وبصورتها الواقعية التي لازال الكثير منا يجهل تلك الصورة البيضاء الناصعة البياض لترسم لوحة النصر للوطن والمواطن وتبعث الأمل المفقود في نفوسنا للتغيير وإنقاذ الوطن وسقوط مشاريعهم العدوانية وبقائه الرئيس المنتصر الشامخ في عيون الشعب.
مدين مقباس
هادي وأطراف الصراع .. وكبش الفدى التوافقي 2211