لم أزل متفائلة بأن المستقبل لن يكون أسوأ من سنة 2011م، وبدافع التفاؤل أذهب إلى الجامعة يومياً علي أجد ما يحيي عندي الأمل في استئناف عملية البحث العلمي لإكمال بعض المشروعات البحثية كنت قد خططت لإكمالها في فترة تفرغي العلمي التي على وشك الانتهاء، بالمناسبة: كان حظي السيئ أن أحصل على تفرغي العلمي في زمن الحرب، الناس كلهم متفرغون قسراً بفعل الحالة الأمنية، وأنا – كنت- ولا أزال -متفرغة حسب القانون، فلا أنا نلت راحة نفسية تجعلني أستأنف العمل الأكاديمي بفاعلية، ولا أنجزت برنامج التفرغ العلمي، وما يؤلمني حقاً أنني فقدت الشعور بالإنجاز، وأصبحت أنتظر المستجدات لأتكيف معها فقط.
لنعد إلى الموضوع؛ لقد حدث أن شاهدت مجموعة من الطلبة في إحدى الكليات يتجهون بمظاهرة ناحية عمادة الكلية ضد الأساتذة الذين لم يبدؤوا التدريس رغم بدء الدراسة للعام الجديد منذ أيام... وعلى الرغم من عدم يقيني بأننا في بداية عام دراسي جديد بسبب اجتثاث جزء منه لنصرة العام الماضي، إلا أنني شعرت براحة كبيرة من مشهد الطلبة المتحمسين للشكوى من عدم بدء الدراسة في موعدها المعلن من قبل الكلية، وقلت في نفسي: (هذا مؤشر مبشر على ارتفاع دافعية الطلبة للتعلم، ولا بد أن هؤلاء المجتمعون من الطلبة الجادون المتفوقون) ودخلت في الجمع لأوجههم إلى الطريقة الجيدة لتحقيق هدفهم، وطلبت منهم كتابة شكوى للعميد بالأساتذة الذين غابوا، فقال أحدهم: لا.. سيعرفون أسماءنا وسيعاقبوننا فيما بعد، فأقنعتهم بكتابة شكوى وتذييلها باسم عام (طلبة المستوى) واجتمعوا لكتابة الرسالة كل واحد يرمي القلم لزميله واستقر الأمر على اختيار أفضلهم كتابة - كما قالوا- وسألني: ماذا أكتب؟ قلت اكتب ( الأخ عميد الكلية.. تواجدنا في قاعة الدرس منذ بدء الدراسة وإلى اليوم لم ندرس أي شيء بسبب غياب الأساتذة فلان وفلان.. نرجو منكم التواصل معهم.. وشكراً التوقيع: طلاب المستوى)، وبعد مخاض طويل في إملاء الرسالة على الطالب المتميز - من وجهة نظر زملائه- خرجت الرسالة بالشكل التالي: (الااخ عمد الكيلات ..توجدان فى قعت درسه منذو بدؤ ادراسه والا اليوم لم ندرس أيشي بسب غيب الاستذه فلن وفالن نراجو منكم اتوصال معهم .. وشكرن اتوقع طالاب المستوا...).
وبعد اطلاعي على الرسالة التي كتبها الطالب لطمت وجهي بلا شعور، وسألتهم هل هذا مستوى طالب جامعي؟، فصرخوا في وجهي (نحن طلاب الجامعة والأساتذة هم السبب في ضعفنا، ولا تنسي أننا لسنا من طلاب اللغة العربية)، فلم أعمل أي شيء إلا حمل رسالتهم معي والانصراف ليس إلى مكتب العميد، بل إلى خارج الجامعة.. ومن ساعتها صرت متأكدة أن واجبي اليوم أن أرفع شعار( إلغاء التعليم بدلاً من إصلاح التعليم)، فما دامت جهود إصلاح التعليم مستمرة في إخراج مثل هذه المخرجات، فإن الواجب الوطني يتطلب أن أدعو إلى الحد من هذه المخرجات بإلغاء منابع تصديرها، وتدعمني في هذه المطالبة حقيقة ميدانية متمثلة فيما يعيشه الطلاب على أرض الواقع، فلا أحد من أولياء الأمور يستطيع أن يزعم أن ابنه يحب المدرسة، وكلنا نعلم علم اليقين أن معظم الطلاب- إن لم نقل كلهم- لا يحبون البقاء في مؤسسات التعليم منذ الصفوف الأولى وحتى إلى نهاية الجامعة، فهم يكرهون الصفوف الدراسية ، ولا يداومون فيها إلا خوفاً من ولي الأمر في الصغر وطمعاً في الشهادات عند الكبر.
وبناء على ذلك فمن المنطقي أن يخرج الشعب اليمني للمطالبة بإقفال المدارس والجامعات، لأن الأولى تخرج جيوشا من الأميين والثانية تقبلهم وتمنحهم الشهادات العليا لتشريع الأمية، وإعادة إنتاجها من جديد، وربما إغلاق المدارس سيكون في صالح أخي وزميلي الدكتور الوزير/ عبد الرزاق الأشول الذي أثق أن ضميره يئن من تحمل مسئولية إرث ثقيل شبع ترقيعاً حتى صار تالفا، ولن تنفع معه إجراءات الإصلاح في ظل خراب الضمائر، وما هو مخصص من ميزانية الوزارة للتعليم أرى أن يضاف كعلاوات على مرتبات المنتسبين للوزارة وستكون مكافأة جيدة تطيب خاطر التربويين الجادين على تعبهم السابق، وتبعد موتى الضمائر عن الأجيال القادمة، وستكون فرصة جديدة ليبدأ المجتمع في تبني فكرة( مجتمع بلا مدارس) وكل ولي أمر حر يعلم ابنه ما يريد، أو يتركه أمياً.
إذا لم تُغلق المدارس والجامعات؛ فمن غير المستبعد أن تفاجئنا الحكومة -تحت ضغط الأميين -بتخصيص ميزانية جديدة لدعم مسيرة التغيير نحو الأمية الرسمية المعتمدة وفق معايير الجودة والاعتماد...مع اعتذاري الشديد للقراء الكرام.
* أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية – جامعة صنعاء
suadyemen@gmail.com
د. سعاد سالم السبع
الشعب يريد إغلاق المدارس والجامعات!! 1859