بعد اسبوعين فقط من وصوله إلى كرسي الوزارة، قال الدكتور/ أحمد العنسي - وزير الصحة في تصريح نشرته صحيفة "الأولى"- إن تولّيه المنصب حل كثير من المشاكل التي سمّاها "بالعالقة"!!.. بدأت أفكر مليئاً أي سحر استخدمه معالي الوزير لحل تلك المشكلات بهذه السرعة، حيث أن أكبر معدل لوفيات الأمهات يوجد في اليمن، إذ يصل إلى 365 حالة وفاة لكل مئة ألف ولادة حية، ومعدل وفيات الاطفال دون الخامسة 102 لكل ألف ولادة حية، قد يقول بعضهم أن هذا الرقم انخفض ليصل إلى 77 ، لكن في الحقيقة ما زال الرقم الأخير تعتريه كثير من الشكوك.. فآخر مسح لصحة الأسرة أعتمد على أسس علمية وبحثية كان في العام 2003، والأرقام بعد هذا مسح اعتمدت على الاحصاءات الحيوية غير الدقيقة والاسقاطات السكانية.. أما معدل وفيات الأطفال الرضع (دون السنة) فهو 74.8 رضيع لكل ألف مولود حي، فيما يبلغ معدل وفيات حديثي الولادة (أقل من شهر) 37.3 طفل حديث الولادة لكل ألف مولود حي. كل المؤشرات الصحية السالفة الذكر بطبيعتها مرتفعة، وتشير إلى وخامة كارثة تردي الوضع الصحي في بلادنا.
مازالت كثير من الأمراض السارية اليوم متفشية ومستوطنة في اليمن، كالإسهالات والملاريا والسل الرئوي والبلهارسيا وشلل الاطفال والحصبة وإلتهابات الجهاز التنفسي والتهابات الكبد الفيروسية و حمى الضنك وحمى تشيكونغونيا، وأمراض سوء التغذية عند الأطفال، ناهيك عن الأمراض المزمنة كأمراض السكري والسرطان والقلب والكلى.
في زيارتها الأولى لليمن في الشهر الفائت، قالت السيدة ماريا كاليفيس مديرة مكتب اليونيسف الإقليمي، إن حوالي نصف مليون طفل في اليمن قد يتعرضون للموت هذا العام بسبب سوء التغذية أو قد يعانون مدى الحياة من تأثيره على نموهم الجسدي والفكري إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة.. اليمن تعد ثاني دولة في العالم، بعد أفغانستان، من حيث ارتفاع معدل سوء التغذية المزمن بين الأطفال إذ تصل نسبة النمو المتعثر فيها إلى 58 بالمئة. ويعاني حوالي 30 بالمئة من الأطفال في بعض المناطق من سوء التغذية الحاد، وهي نسبة تشابه ما يشهده جنوب الصومال حاليا وتصل إلى ضعف الحدود المعترف بها دولياً والتي تنذر بوجود حالة طوارئ- حسب اليونيسف. قد تكون لبعض المحدّدات الاقتصادية والاجتماعية كالفقر وتفشي الأمية والنزاعات بعض الأثر في ذلك، لكن تردي الخدمات الصحية في بلادنا ما يزال السبب الأكبر والرئيس في ارتفاع مؤشر سوء التغذية.
في العام 2009 نالت اليمن شهادة الخلو من شلل الأطفال، وهي شهادة تبارك استئصال المرض.. إلا أن حالات شلل الأطفال سُجلت بعد ذلك، مما حدا بالوزارة إجراء حملات تحصين لاحقة، منها أجري مطلع العام الجاري. وكأن الهدف كان الحصول على الشهادة، وليس النجاح في استئصال المرض بحد ذاته.
لا أدري أي مشكلات حلها معالي الوزير خلال تلك الفترة الوجيزة من توليه المنصب.. وإلى أي حد اسهمت تلك الحلول في خفض معدلات وفيات الأمهات والأطفال، وعززت صحة الانسان اليمني من خلال خفض حدوث وانتشار الأمراض السارية والمزمنة وأمراض سوء التغذية لدى الأطفال، إن وزارة الصحة اليوم بحاجة إلى استراتيجية دقيقة وفعالة قابلة للتنفيذ بغية إخراج البلد من غياهب المرض، وليس تصريحات مجردة.
بعد مرور أكثر من شهرين على تولي الدكتور العنسي منصب وزير الصحة، ما يزال كرسي مدير عام هيئة مستشفى الثورة بصنعاء الذي كان يشغله شاغرًا حتى اللحظة، ومن يقوم بأعمال المدير العام هو نائب مُزْمِن عفا عليه الزمن. إن ثورة المؤسسات اليوم التي أرّقت الفاسدين أحالت دون تعيين مدير عام للمستشفى. موظفو المستشفى ونقابتهم كانوا دعوا الى أن يكون المدير القادم من الشخصيات المشهود لها بالنزاهة، ما لم سيشهد المستشفى ثورة في حالة عدم تلبية دعوتهم، ورفضوا أي وصاية على مشفاهم.
منذ ما يربو عن عقد ونصف من الزمن، يشغل الدكتور عبدالكريم الخولاني منصب نائب مدير مستشفى الثورة.. ومذ ذلك الحين تغيّر مدير المستشفى أربع مرات، فيما ظل النائب على حاله.. منصب النائب للمستشفى، شغل الدكتور الخولاني عن عمله الأكاديمي بجامعة صنعاء في إجراء البحوث الطبية، فالمفترض مذ تعيينه أن يكون لديه الآن درجة أستاذ دكتور، حيث أن الترقيات في الجامعة من أستاذ مساعد إلى أستاذ مشارك إلى أستاذ تعتمد في الأساس على إجراء الدراسات والبحوث، وهذا ما يفتقر إليه النائب.. وبعد مرور وقت طويل جدا على تعيينه، تمت ترقيته العام الفائت فقط إلى مشارك.
في حوار سابق مع قناة الجزيرة، يقول الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، إن بقاء شخص ما في منصب ما لفترة طويلة، فإنه يحدث لديه ما يعرف بتغيّر دائم في الشخصية، ويبدأ التوحد مع الوظيفة التي يمارسها. وحين يختلف أحد معه في الرأي أو يعارضه، فإنه ينظر لذلك الإختلاف بمثابة إهانة وُجِهت له وليس مجرد اختلاف في الرأي. ويؤكد عكاشة أن البقاء لفترة أطول في منصب ما، تجعل الفرد جامدًا وغير قادر على الإبداع والابتكار والتغيير.
قررتُ أن أخضع ما أورده دكتور عكاشة للفحص، باستخدام محرك البحوث الطبية بوب مِد PubMed الذي يضم أكثر من 4000 مجلة ودروية طبية محكّمة من جميع أنحاء العالم، ولأكُن على دراية كاملة وكذلك القرّاء، بدأت بالتفحص لمعرفة عدد البحوث العلمية في الطب التي نشرها الدكتور الخولاني في هذه الدوريات خلال الفترة الماضية، بعد محاولات لمرات عديدة تجاوزت العشر، جاءت النتيجة على النحو التالي: No items found وتعني أن محرك البحث فشل في العثور على أي نتيجة.. طبيعي جداً أن يفشل محرك البحث، وهذه النتيجة لا تفاجئني على الإطلاق، ولو كانت له بحوثه حسب لوائح الترقية في جامعة صنعاء لكان أستاذا الآن. وكي أكون منصفا وجدت له دراسة بالاشتراك مع آخرين في مجلة Heart Views التي تصدرها جمعية القلب الخليجية، لكن المجلة ليست مدرجة ضمن شبكة هيناري للبحوث الطبية والصحية التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
موظفون كثر في المشفى لا يحبذون أن يكون الخولاني المدير العام القادم، وهو في الحقيقة لا يحظَ إلا بدعم مناصريه فقط الذين استفادوا من وجوده في منصب النائب خلال الفترة الطويلة الماضية ومنهم ابنه. أما الغالبية العظمى من موظفي المستشفى ترفض تولي الخولاني إدارة المشفى. لا يكاد كشف من كشوف المكآفات والحوافز يخلو من اسم الخولاني، فاسمه في مقدمة الصفوف دوماً، لقد كانت محقة وزيرة حقوق الإنسان في حكومة الوفاق الوطني حورية مشهور حينما أعربت مؤخرًا أن نسبة 90 بالمئة من إجمالي المكآفات والحوافز تستحوذ عليها القيادات العليا، فيما يحصل بقية الموظفين على الفتات.
آن الوقت كي يستريح الدكتور الخولاني ويتفرغ لعمله الأكاديمي، بدلاً من أن يرهق تفكيره بالتدوير الوظيفي نحو الأعلى.. فهو لا يمتلك وقتا كاف للقراءة والبحث العلمي، والعلوم الطبية تتغير وتتجدد باستمرار ومن سنة لأخرى.
مستشفى الثورة في أمس الحاجة لمدير يخلو سجله من الفساد والعبث بالمال العام، بحاجة الى إدارة تهتم بالمريض أولاً وتهتم بمقدمي الخدمة أيضاً، بحاجة إلى إدارة تسعى الى الارتقاء بخدمات المستشفى وضمان جودة الخدمة المقدمة للمواطن اليمني.
saberhizam@hotmail.com
صابر حزام
الثورة بحاجة إلى مدير! 2207