تكتسب الوحدة العربية، والإسلامية اليوم أهمية قصوى ؛ انطلاقاً من أمل الأمة في أن تغدو هذه الوحدة في ظل نسمات الربيع العربي التي ترفرف في سماء منطقتنا العربية ؛ من تونس غرباً، مروراً بليبيا، ومصر، ووصولاً إلى اليمن جنوباً، وسورية شمالاً ؛ ميزة أصيلة لهذا الحراك الديمقراطي النهضوي الشعبي العارم ؛ الذي جمع نبضات الحركة في جسد الأمة على إيقاع عظيم، أعلن ببلاغة، وجلاء ؛ مرحلة جديدة من الفعل الديمقراطي الثوري البناء .
وفي هذا الإطار؛ يمكن القول إن صرخات الحرية التي أطلقتها، وتطلقها حناجر الثوار من ميادين التحرير، وساحات التغيير في تونس، والقاهرة وصنعاء؛ قد سُمع صداها في كل العواصم العربية، وتحول ذلك الصدى في الوقت نفسه إلى فعل نابض بالحياة، والنور ؛ معلنا ذلك التراص، والتماسك الأصيل، وأن هذه الأمة كالجسد الواحد ؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؛ يحزنها ما يحزن الإخوة، ويسعدها ما يسعدهم، مؤكدة بذلك أن الوطن العربي تجمعه روح واحدة مهما أختلفت السياسات، وفرقته الحدود .
وكذلك هي الوحدة اليمنية باعتبارها النواة الأولى للوحدة العربية والإسلامية القادمة إن شاء الله التي لا شك تنشدها شعوبنا جميعاً، كأمل للأمة، وأساس للنهضة، ومفتاح للغد ... يجب علينا ـ في زحمة هذا الحراك أيها السادة ـ أن نحافظ عليها بحدقات أعيننا، وندافع عنها ؛ اليوم أكثر من الأمس ؛ كمنطلق حضاري للمستقبل، وفعل ثوري راقٍ، وفي ظل هذه التحولات، بكل ما نملك .
وإذا كانت مظالم المرحلة الماضية من حكم الفرد في يمننا الحبيب قد كدرت صفو هذا المنجز العظيم ـ منجز الوحدة ـ ؛ فإن العيب لا يشون إلا صاحبه، ولا ذنب للشمس إن حجب السحاب نورها، فلنعد معاً صياغة هذا المنجز على أساس من العدل والاحترام والعيش المشترك، وإن شابها بعض النقص ؛ فلنتم هذا الفعل البناء بالعمل الدؤوب، والجهد المنصف لكل مظلوم، ونكملُ بعد ذلك المسيرة التي ارتضاها الله لنا ،وتجسدت واقعاً على قاعدة صلبة من الدين، وواحدية اللغة والجغرافيا، والماضي، والحاضر المشترك.
أقول ذلك وأنا أتذكر أيام التشطير، أتذكر الماضي الدموي بكل مآسيه : السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي مازالت عالقة في ذاكرة كل مواطن يمني أياً كان موقعه الجغرافي ؛ سواء في الشمال، أم في الجنوب، أتذكر الحشود، والجنود، والمعارك الطاحنة، والقتلى، والجرحى، والأسرى، وأنين الأمهات، والزوجات، واليتامى ؛ في معارك الخسران التي لم تعرف منتصراً قط .
في ذلك الزمن، ما زلت أتذكر ؛ حين كنت أعيش في مدينة عدن التي كانت ـ كعادتها على مر الأيام، والسنين ـ تحتضن حلم الوحدة، كانت عدن كذلك، ومازالت كطبيعتها نموذجاً للتعايش والإخاء، كما غادرتها تماماً، وإن كان البعض يعمل اليوم على إعادتها إلى حمامات الدماء، وكأن هذا هو قدرها المقدور .
فإذا كان عام 2011م هو العام الحافل بالمتغيرات التي هي سنة من سنن الله، يتجلى فيها عدله في انتزاع الملك من سلطان جائر، وتمكين الشعوب المضطهدة من الانتصار على حكام طالما ظلموا وتآمروا على قضايا أمتهم ؛فإن الواجب يقتضي علينا نحن أبناء اليمن عموماً، وعدن خصوصاً أن ننصر أنفسنا، وقضايانا، ومستقبلنا، أن نرص صفوفنا، ونوحدها من أجل البناء، ومن اجل الغد، ولنكون سنداً لإخواننا، وبنياناً يشد بعضه بعضاً لنصرة الحق في كل مكان ،على طريق الديمقراطية الشوروية، وصون حقوق الإنسان في الحرية والمساواة .
وفي الأخير؛أود ان أوجه رسالة أساسية، هذه الرسالة أحملها بكل ثقة، وتفاؤل، بوابتها خير الناس، وعنوانها الأبرز دعوة الجميع للإمساك بعروة الوحدة، والتوحيد ؛ فذلك هو المفتاح لدخول فضاءات الغد المشرق، والإمساك بتلابيب المستقبل ؛ لننعم جميعاً بالأمن، والسلام، والحياة الرغيدة في وطن ديمقراطي، موحد، حر، ومزدهر .
من أجل ذلك ينبغي أن نعمل، ولتكن البداية من ترسيخ الثوابت الوطنية ، وفي مقدمتها الوحدة اليمنية التي تجمعنا جميعاً، فلنبدأ العمل خلف، ومع حكومة الوفاق الوطني التي بدأت بدورها في معالجة أخطاء الماضي، وردم بوادر الصراعات، والنزاعات الدموية، فلنعطها الفرصة ونعينها على تنفيذ برامجها، وخططها .. هذه دعوة صادقة للم الشمل، وتوحيد الكلمة، ليكن بحثنا في عناصر الإلتقاء فهي كثيرة، ولندع عناصر الإختلاف على قلتها، وننظر إليها على أنها عناصر إثراء ؛ تساعدنا على تجاوز الأخطاء، والاتجاه نحو البناء السليم للمجتمع لنبني وطننا بأيدينا، وعقولنا، ونستشرف المستقبل بثقة واقتدار، فليس ثمة ما هو أجمل من النوايا الطيبة، وليس ثمة ما هو أفضل من العمل المخلص، والمثابر .
مواطن يمني في قطر
أحمد عبد الله الطيري
الوحدة اليمنية ونسمات الربيع العربي 1997