تأرجحت ردود الأفعال تجاه الصحوة العربية في أوروبا تأرجحاً كبيراً ما بين التفاؤل والتشاؤم وعلى الرغم من أن الفرحة الأولى تثير شكوكاً لا مفر منها، إلا أننا نحتاج لأن نواصل المسيرة وأن نؤكد على التزامنا نحو الديمقراطيات الناشئة.
ويجب أن تكون نقطة بدايتنا هي أن الديمقراطية- في كل مكان- يمكن أن تكون مربكة؛ بمعنى أنها يمكن أن تجيش معها المشاعر، أو أن تكون ملهمة ومحررة، لكنها يمكن أن تكون أيضاً باعثة على الفوضى، مضطربة، و غير متوقعة. كما أن الإحباطات قصيرة الأجل حتمية. لكن التاريخ، وليس أقله تاريخ قارتنا، ينبؤنا بأنه بمجرد أن تستقر جذور الديمقراطية بحكم القانون، و حقوق الإنسان، و المساواة بين الجنسين، و الإدارة النزيهة، و حرية التعبير، والاستثمارات الخاصة، بالإضافة إلى الانتخابات النزيهة، يمكن أن تنتعش الدول وأن تسعى للعيش بسلام مع من حولها.
ولهذا أنا متفائلة، وما حدث على مدار الاثني عشر شهراً الماضية رائع حق، فشهدنا انتخابات حرة ونزيهة في تونس ومصر والمغرب، شعر البعض بالقلق حيال فوز الإسلاميين في صناديق الاقتراع والبعض الآخر كان يطلب مزيداً من الوقت ليرى ما سينتج عن هذا الموقف السياسي الجديد.
دخلت حركة النهضة التونسية في الحكومة التحالفية جنباً إلى جنب - مع قوى سياسية علمانية، وفى المغرب فتح الملك فصلاً مهماً من فصول التعايش مع رئيس الوزراء الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى ذلك، أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة جالوب أنه في حين أن معظم المصريين يؤكدون على أهمية الإسلام في حياتهم، إلا أنهم يريدون أن يقتصر دور قادة الدين على إسداء الحكومة رأي استشاري.
عقد أول برلمان مصرى منتخب - انتخاباً ديمقراطياً - جلسته الأولى والتاريخية منذ 60 عاماً، و بالطبع فإن بناء ديمقراطية حقيقية و ناضجة يحتاج إلى جهد والتزام متواصلين، فلابد أن يتاح للمجتمع المصري المدني الفرصة ليلعب دوره الحيوي كأحد أعمدة الديمقراطية ومن المهم أن تلغى الدولة قانون الطوارئ كلياً مع الانتقال لحكم مدني في أقرب وقت ممكن.
بالإضافة إلى ذلك، فأنا آمل أيضاً أن تبنى ليبيا ديمقراطية تفيد كل الليبيين ونحن نشترك معهم في ذلك اشتراكاً كاملاً فالاتحاد الأوروبي - جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة - ينظمان ورشة عمل مع شركائنا الليبيين للإسراع بدعمنا.. واهتمامنا ليس منصباً على شمال أفريقيا فحسب، بل إن الحقوق المكتشفة حديثاً تنطبق سواء كنت من سوريا أو في هذا الشأن من اليمن أو الأردن، أو البحرين و الممالك العربية الأخرى. وتأتى الحقوق مع مسؤوليات، لهذا نتطلع إلى السلطات الليبية لئلا تدخر وسعاً في التحقيق في ادعاءات التعذيب التي قدمت مؤخراً.
لقد سمعت عن الشكوك حول ما إذا كنا "نحن" نثق في هذه المجموعات السياسية الجديدة والتي تستمد إلهامها من روابطها بالمذهب الإسلامي. يشعر البعض بالقلق ويجادلون بأنه ليس من مصلحة أوروبا أن تدعم وتساند الصحوة العربية، وأنا لا أوافقهم الرأي. فعلينا واجب أخلاقي كما أننا نحتاج عملياً لأن نساعد جيراننا على أن يكفلوا الديمقراطية والرفاهة. نحن لسنا "متفرجين". نحن ألزمنا أنفسنا على أن نشترك ونعمل ونناقش مع كل الحكومات والبرلمانات والمنظمات التي نشترك معها في التزامنا بالديمقراطية.
لذا دعوني أعالج قضية الثقة معالجة مباشرة، فهي تسير في كلا الاتجاهين.
والسؤال الذي يثيره الإسلاميون هو عما إذا كانوا "هم" يستطيعون أن يثقوا بنا؟ وأعتقد أن هناك احتياجاً شديداً لتخطى حدود الاشتباه المشترك وللتعارف على بعضنا البعض على نحو أفضل، فجمع كل الإسلاميين في نفس التصنيف مضلل ولا يساعد.
إننا ندرك الحاجة إلى معلومات مباشرة أكثر، فلابد من فهم وتقدير كل حزب وحركة سياسيين طبقاً لمزاياهم، تماماً كما يحتاجون هم للحكم عليهم من خلال أفعالهم الملموسة. هذه الحركات السياسية تتعلم وتتغير أمام أعيننا ولقد لاحظنا ذلك. إنها حريصة على التعلم، والمسؤولية الحكومية والمنصب العام سيمنحها الآن الفرصة لترجمة التزاماتها إلى قوانين وسياسات ملموسة. وكلما بذلنا جهداً لفهمها وساعدناها على فهمنا، كان ذلك أفضل.
لهذا نحتاج إلى الثقة المتبادلة كأساس للاشتراك مع القيادات السياسية الجديدة وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الحوار المباشر، ونحن سنظهر تواضعنا أمام هذه المهمة الجسيمة
ويسعدني قبول رئيس وزراء تونس، حمادى جبالي، دعوتنا واختياره لبروكسل مقصداً له في أول زيارة رسمية للخارج. هذه الزيارة التي ستتم الأسبوع القادم ستكون رمزية و ذات أهمية وهذا يدل على أن الحكومة الجديدة تريد أن يكون لها روابط وثيقة مع الاتحاد الأوروبي.
لقد شكلنا بنجاح في سبتمبر الماضي مع تونس مجموعة عمل مشتركة للتوجيه وتقديم فرص الملكية المشتركة في دعمنا للتحول إلى الديمقراطية. لقد تمكنا من جمع المجتمع الدولي، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات المالية متعددة الأطراف، وشركات القطاع الخاص على هدف واحد، ألا وهو دعم التحول للديمقراطية والتأكيد على أن نصبح معاً عاملاً مساعداً على توفير مساعدة أسرع وأكثر فاعلية.
والآن، وبعد عام من قرار الشعب التونسي لأن يأخذ بزمام مستقبله في يده، تٌظهر زيارة رئيس الوزراء جبالي أن الاتحاد الأوروبي وتونس يريدان أن يعملا معاً للاستجابة لآمال كل التونسيين.
إن الانتخابات جزء مهم من الديمقراطية، ولكن بناء ديمقراطية ذات جذور عميقة يتعدى ذلك لأنه يتعلق بالانتخابات القادمة، وبتعريف القواعد الأساسية ثم الالتزام بها، كما أنه يتعلق بالوفاء بالوعود، وصياغة دساتير شاملة تحمى حقوق المواطن وعلى وجه الخصوص المتعلقة بالمرأة. وممارسة السلطة تعنى أيضاً توفير فرص عمل وأن نكون عمليين في مواجهة تحديات اجتماعية و اقتصادية عديدة.
إن التكاتف في شكل ائتلافات كبيرة بداية واعدة، فالرحلة لن تكون سهلة، لكن الاتحاد الأوروبي ملتزم بمواصلة المسيرة، بمعنى أننا سنجتاز العقبات على الطريق وسنساعد بهدوء المتظاهرين الذين أسقطوا الطغاة على أن يعيشوا أحلامهم.
كاثرين آشتون: ممثل الاتحاد الأوروبي العليا للشؤون الخارجية وسياسة الأمن.
كاثرين آشتون
دعم الصحوة العربية 1948