كانت الشمس تجمع خيوط أشعتها استعداداً للرحيل، لم يبق منها سوى ضوء باهت حزين أو هكذا بدا لي ربما هي مثلنا تؤلمها لحظات الفراق.
كنت حينها أقف على بوابة المطار أودع أعز الناس على قلبي، الشمس لا تدري إن كان مكتوب لها أن تعود إلى موقعها وسط السماء من جديد لتمنح الأرض نوراً وحياة وأنا لا أعلم إن كان أبي سيعود ثانيةً ليملأ حياتنا فرحاً وأماناً أم أن ذلك الخبيث سيتمكن منه، معلناً انتهاء حياة إنسان هو عمود الحياة بالنسبة لمن حوله وهو الشمس الدافئة التي تقينا برد الأيام القاسية لحظات الوداع تشبه لحظات الغروب كلاهما يؤلم جداً إلا إن للوداع سكرات تشعرك وكأن روحك تغادر جسدك قطعةً قطعة.
وحين أفقت من غيبوبتي تذكرت تلك الوجوه العابسة التي تقف أمام سفارات إحدى الدول في طوابير طويلة وأغلبهم إن لم أقل جميعهم ذاهبون للعلاج من نفس المرض ..تساءلت حينها هل نحن شعبٌ كتب علينا العذاب بكل ألوانه حتى أننا وصلنا إلى مرحلة إذا شعرنا فيها بشيء من الفرح يدغدغ أرواحنا خلسة، استغربنا واستعذنا بالله من شطحات خيالنا.
نحن في اليمن.. أحلامنا بسيطة جداً ومحدودة، لا تتعدى إمكانيات مسؤولينا المتاحة لهم والتي تتجاوز ميزانية أبسط مستشفى يعاني فيها المريض سكرات الموت مرات قبل أن تزهق روحه ولا أقول إمكانية البلد لأن إمكانياتها وخيراتها كبيرة وكثيرة لو وجد من يفكر أن هناك بلداً وشعباً يستحق التفكير فيه والتضحية من أجله.
نحن لا نحلم بناطحات سحاب تضاهي برج خليفة ولا نفكر بكهرباء تعمل بالطاقة النووية، ولا حتى بقطارات تمشي تحت الماء، نحلم فقط بشوارع نظيفة، خالية من أكوام القمامة وبيئة صحية تشعرنا أننا في أمان من تلك الأمراض الخبيثة التي تسرق منا الأحباب فجأة دون إنذار لأن أحد أبرز أسبابها هو هذا التلوث البيئي المخيف الذي نعاني منه منذ زمن طويل سواء من جبال القمامة التي تتكدس في شوارعنا أو من أكياس البلاستيك التي تغطي كل شبر من مساحات أراضينا إن كان في الريف أو المدن، أو من السموم المستخدمة في زراعة القات وأشياء كثيرة أخرى تتسبب في كل هذه الأمراض دون أن ينتبه لها أحد أو يعطيها حقها من الاهتمام و الدراسة، ثم التحذير منها ومعالجتها لأن المسؤولين عندنا دائماً مشغولون بأشياء أكبر في نظرهم هي أهم بكثير من مجرد مرض إنسان أو موته.
وأخاف حين ينتهون من مشاكلهم ويستقرون على كراسيهم لا يجدون شعباً يحكمونه لأن الرصاص سيأخذ النصف والسرطان وبقية الأمراض تأتي على ما تبقى من شعب لم ينعم يوماً لا بالأمان ولا بالصحة.
ونحن مازلنا نحلم بأشياء انتهى منها الآخرون منذو زمن بعيد نحلم أن نرى على الرصيف شجرة وورده ولوحه مكتوب عليها ابتسم الدنيا بخير وأنت في أمان فيا أيها اليمنيون احلموا وابتسموا وقولوا ياااااارب.
جواهر الظاهري
لحظة غروب!!! 1878