سجال عام مزدحم بالحوثيين والإخوان، بالحراك وبالقاعدة والسلفيين.. يجعل اليمنيين في حالة من " الهروب من ساحة معركة ضيقة، إلى ملجأ غير موجود- محمود درويش"الغائب الوحيد في مهرجان الرصاص والخطب؛ ذلك الصوت الوطني العالي، لقضية وطنية مشتركة وعادلة، تُشعر اليمنيين بالدفء والود.
دخول إيران في الخط، مؤيدة إفشال عملية الاستفتاء المزمع يوم 21 فبراير، فج وبنفس طريقة وأخلاق التدخل السعودي، بنوعه العتيق والمكروه؛ لأنه جائر وغير مشروع، ويلزم استبداله كلياً بعلاقة احترام كامل بين بلدين وشعبين، يمكن رسمها بدقة ووضوح عبر بروتوكول استثنائي.. ومعلن للشعب.
ذلك أن الموقف مما يسمى الانتخابات ويعتبرها يمنيون كثيرون استفتاء، لا يحتاج لموجهين من الخارج، إنه شأن يمني محض، ولم يعد متعلقاً بالتنافس الإيراني السعودي المقزز في بلدنا وفي عالمنا الإسلامي.. لكن المقاطعة أصبحت شأناً إيرانياً، ففيما يبدو تبنت إيران هذا الخط رسمياً الآن، والتعبير الأمثل عنه جارٍ على قدم وساق سياسياً، وإعلامياً عبر قناة العالم ووسائل أخرى، كأنه لا خيار أمام طهران، سوى انتهاز الفرصة، ومحاولة كسب لبنان ثانٍ؛ بلد تابع وخاضع تحت مسمى حليف، في حال انهار نظام الأسد كلياً.. وخسرت سوريا. كما الرياض دائماً، لدى طهران مخطط يتضمن بلدنا، خارج إرادتنا، وهي تسللت عبر مشروع طائفي في روحه ومنبته، مهما أردنا اندماجه في المجتمع وانصهاره في القضية الوطنية.. لم تتقدم بأي عرض حقيقي يذكر لعقد شراكة مع الشعب اليمني.. شراكة حقيقية، ما يفتقده اليمن مع أقرب جيرانه وأبرزهم: السعودية. بالنسبة للتحالفات مع اليمن، ستظل الأولوية للسعودية ودول الخليج، فالهوية القومية تجعل من الصعب على إيران الوصول يوماً باليمن لمستوى بلد تابع أو حليف، حيث يقول سياسيوه ونخبه ووسائل إعلامه الخليج الفارسي وليس الخليج العربي، مهما بلغ بالسعوديين خاصة والخليجيين عموماً التعالي عن رؤية حليف المستقبل الحقيقي. ليس تعريضاً بتوجه مجلس التعاون الخليجي، منح عضويته للأردن والمغرب وتقديمه عرضاً بدا للعالم بائساً وإن لقي ترحيباً وامتناناً أردنياً وبروداً مغربياً غير متوقع، جاء في بدايته مثل تعبير متهكم بوجه كل الثِقل لدول الخليج وثرواتها ونفوذها.
وللتوضيح، أي تاريخ يمني جديد، سيلعن الأوقات التي فتحوا فيها موضوع انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي، ويهجو أداء كل المسؤولين اليمنيين الذين هرولوا في هذا الطريق وأظهروا بلدنا في حالة يرثى لها، لاهثاً لسنوات، وراء العضوية الخليجية. تبدو رؤيتي غير واقعية، وعاطفية؛ إذ تجعل اليمن في مركز دولة ند لدول الخليج.. وهذا صحيح عندما نقرأ الواقع على أساس الوقت الحاضر، وليس على أساس مستقبل الصراع الإيراني – السعودي، والإيراني - الخليجي، وموقع اليمن فيه اليوم وفي المستقبل وما يتضمنه من فرص، يوم يتوفر لليمن مفاوضون سياسيون محترفون يحترمون أنفسهم وبلدهم. إنها مرحلة عاصفة بالمتغيرات، وأخشى أن يفوت الوقت، أن تتزايد عيوب وإخفاقات سياسات السعودية ودول الخليج في اليمن، وتنتج المزيد من خيبة الأمل لدى اليمنيين والأسوأ أن تولد وتنمي مشاعر كراهية وعداء. الخليجيون لن يعرفوا قيمة اليمن إلا حين يخسرونه كلياً، ويدفعونه دفعاً نحو طهران.. تعمل إيران على هذا الخط، وهي تربح شعبية تعادل ما تخسره السعودية من شعبية في اليمن، والعكس صحيح لكنه يحدث في النادر. من حسن الطالع أن الطائفية مهما تقنعت، لا تنجح وتصبح مشاريع شعبية ووطنية كبرى، وحسن نصر الله مثال ناصع للشعبية الكاسحة والمنقطعة النظير في العالم الإسلامي، وكيف تضمحل بسبب انفصام المواقف من قضايا الشعوب العربية، مواقف كاشفة في لحظة مواجهة الحقيقة، والحقيقة أن نصر الله أو حتى عبد الناصر نفسه كان ليخسر شعبيته العظيمة المتنامية طوال سنوات في لحظات، متى تناقضت مواقفه إزاء قضية عادلة، توحد شعوب عربية، تعيش رهن أنظمة ديكتاتورية أسرية من النيل إلى الفرات. قضى موقف حزب الله من قضية الشعب السوري، على معظم شعبية زعيمه نصر الله، في العالمين العربي والإسلامي، ولهذا لم نشاهد رد فعل جماهيري مؤخراً، حيث دار حديث في وسائل إعلامية، عن قرب استقالته أو تقاعده.. لا نغفل أن ذلك لو تم، سيكون بادرة حميدة، تثير الإعجاب.. تخفف من ذكرى خطابه الانتقائي الشهير حين أعلن تضامنه مع ثورات شعوب تونس ومصر واليمن، ومع ثورة شعب البحرين بإسهاب واستفاضة، مستكثراً على الشعب السوري حقه في الثورة على نظام أسري ديكتاتوري متغول منذ 40 سنة.. كذلك كان انتقائياً وتقليدياً في خطبته؛ عبدالملك الحوثي قبل أيام في خطاب الميلاد النبوي بصعدة، حيا ثورات تونس ومصر واليمن والبحرين ولم يـأتِ على ذكر سوريا، لكن الانتقائية في خطبة من صحراء بصعدة، لا تقلل من قدر الثورة السورية بين ثورات الربيع العربي، إن لم تزدها عظمة، مستمدة من تعاظم التحديات التي تقف في طريقها.. وإيران أحد تلك التحديات. أرى أن تجاهل الأنظمة في السعودية والخليج للشعوب، وتركيزها على صناعة السلفيين ودفعهم للسلطة لا يؤمن غير حل مؤقت، حل يعالج مخاوف السعودية والخليج مؤقتاً ويلبي تطلعها لاحتواء ثورات الربيع العربي والتحكم بمصير شعوبه ودوله، لكن ذلك لوقت قصير فقط.. لسوء الحظ يعزز ذلك من فرص إيران في استقطاب الناس والنشاط في الأوساط الشعبية.. إنه مسار قد تكون كلفته في الأخير باهظة ومدمرة ويقرب زمن نهاية الأنظمة الخليجية، بشكلها القائم الآن، أكثر مما تتوقع.. الناس في اليمن - كما في دول مختلفة - سيستمرون بالطواف بينهما أو الهرب من المشروع السعودي إلى المشروع الإيراني والعكس، لكنهم بنهاية المطاف سيكتشفون أنه لا السعودية ولا إيران تمثل ملاذاً حقيقياً، لكن أحدهما قد يكون أهون من الآخر.. الثورة الشعبية ملجأ حقيقي ووحيد للشعب اليمني، متى وجدنا طرقنا لتأسيس أحزاب سياسية جديدة يمنية قلباً وقالباً.. قوية، وليست كسيارات ركستون التي يسوقها في اليمن رجل صالح ومنتقي ملابسه الفاخرة، شاهر عبدالحق.. وركستون سيارة كورية بمحرك ألماني.. المغزى أن أي كيان سياسي عبارة عن جسم يمني وقلب إيراني أو سعودي لا يمثل خياراً حقيقياً في البلاد.. ينطبق هذا على الحوثيين كما ينطبق على جماعات أخرى من خصومهم.. مع تأكيد أهمية تواجد جميع الأطراف لتحقيق التنوع والتوازن في الحياة السياسية، تنوع سياسي ضروري كالتنوع البيئي في الحياة. بلهجة شعبية، يوم 21 فبراير، سيكون “سلبيت” إيراني - سعودي في اليمن.. لكنني بصفتي مواطن، غيرت موقفي من المقاطعة، وسأذهب لأصوت بنعم لـ “عبدربه منصور هادي”.. هذا التدافع المدعوم من إيران، لإفشال استفتاء 21 فبراير الرئاسي، لا يروق لي، وأجده غريباً.
عبدالعالم بجاش
الهروب من ساحة معركة ضيقة، الى ملجأ غير موجود 2227