العشوائية التي تفتقر إلى النظام واللامبالاة التي تدوس على سيادة القانون وعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه هيبة القضاء، تصوروا بأن كل هذه المفاهيم القاتلة لروح العدالة هي وصف لحال المحاكم في بلادنا، فواقع المحاكم المتدهور لم يعد يرضي أحد منا حين يفكر أن يلجأ إليه لحل نزاع أو لتثبيت حق، فقد أصبح الكثيرون يتنازلون عن حقوقهم مقابل أن يسلموا من ويلات ما سيلاقونه في المحاكم التي صارت أشبه بأسواق يُتاجر فيها بالضمير والعدالة، فالقضاء بسبب من يمثلوه، فقد هيبته أمام الشرع والقانون، لأنه صار ينتهك ويستبيح حُرمة نصوصه دون أن يردعه وازع ديني أو أخلاقي، وتبرأ من سموه ليضع مكانته في زاوية ضيقة جداً تكاد لا تتسع سوى لبقايا اسمه، هذا هو القضاء الذي لم نجد هيبته وعدالته ونزاهته وحياديته واستقلاله التي درسناها وقرأنا عنها في كتب القانون وسطور الدستور وهذا ما يُشعرنا بالألم والحسرة ومرارة البحث عن هذه المصطلحات في تلك المباني المزدحمة بالظلم والفساد التي يحكمها غياب الضمير.
فبالله عليكم ما الذي سيكون صالحاً في هذا البلد إذا كانت مؤسسات العدالة بهذا الخراب؟، فجميع أسيادها تبدلت أدوارهم القاضي يتحول إلى تاجر بحقوق الناس وأموالهم والمحامي يُدافع عن موكله، ولكن بُطرق السماسرة والدلالين وأمين السر يكتب ما يمليه عليه جيبه وهؤلاء جميعهم يحكمهم قانون التخزينة عند القاضي بعد العصر نصوص قانونهم تكون دائماً لمصلحة من يدفع أكثر والموكل المسكين ما عاد يدري على من يصرف - بالذات لو خصمه غني- على أولاده وإلا على السمسار وإلا على التاجر الذي لن يبيعه الحكم، إلا بثمن مقبوض، لذلك تجد أغلب البسطاء يتعوذ بالله من المحاكم قبل ما يتعوذ من غريمه ويتنازل على حقه للظالم مع بوسة على رأسه، فطالما وبيوت العدالة مهدومة زواياها سنظل عايشين بين ركام الظلم وضياع الحقوق وسيظل المواطن أسيراً لذلك الحلم الذي سيجعله يحصل على عدالة بأقل تكلفه ولكن التفاؤل يقودنا إلى أن هذا الحلم سيتحقق في ظل دولة مدنية شامخة بعلو النظام والقانون، هذين اللذين سيردان للقضاء هيبته ونزاهته وعدالته وحياديته واستقلاله، فالثورة صنعت معجزات كثيرة وستكون إحداها إعادة هيكلة المؤسسة القضائية ابتداء من إعلان استقلالها عن بقيه السلطات، ووصولاً إلى تفعيل جهاز رقابي قوي يُحاسب ويُعاقب على كل مخالفة صغيرة كانت أو كبيرة دون التمييز بين مرتكبيها، فالشعب لا يُريد قضاه ينصفون الظالم ويُعاقبون المظلوم وإنما يريد قضاة يتبعون منهج الحق ويتجاهلون كل ما تمليه عليهم أنفسهم الأمارة بقتل الضمير.
*بقايا حبر:
روح العدالة يجب أن تطغى على سمو القانون..
حين يصبح النص مُجافياً لنصرة المظلوم، ورافعاً لراية الباطل بتحايل مقتضاه "القانون لا يحمي المغفلين".
naaemalkhoulidi23@hotmail.com
نعائم شائف عون الخليدي
عدالة بأقل تكلفة 1658