لا شك أن سقوط مدينة رداع - عاصمة الدولة العامرية- يدعو للكثير من التساؤلات ويضع العديد من علامات الاستفهام عن السبب الحقيقي لهذا العمل والدوافع وراءه والمستفيد منه، بالإضافة إلى أنه يدفع المراقب والمتابع لطرح قضية القاعدة وأنصار الشريعة للبحث والتحقيق بعيداً عن التجاذبات السياسية والنظرة الأحادية والأقوال الشائعة والأحاديث المكررة وبحث الموضع في سياقه الواقعي وجانبه الفكري.
ومن ذلك أن تنظيم القاعدة ينطلق من تصورات فكرية تقول بتكفير الحكام والأنظمة العربية والإسلامية؛ بمبرر أنهم لا يطبقون الشريعة ولا يحكمون بما أنزل الله، وأن هذه الأنظمة والحكام يعتبرون عملاء لأميركا والدول الغربية، وبناءً على ذلك يسعى التنظيم لإسقاط هذه الأنظمة ومنها النظام اليمني بهدف تحكيم الشريعة، وطريقهم إلى تحقيق ذلك عبر الخروج المسلح والعمل العسكري واستخدام القوة.
هذا ملخص الفكرة وطبيعة الوسيلة التي يسعى إليها ويعمل من خلالها تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة الذين استطاعوا لأسباب عديدة السيطرة على أجزاء كبيرة من محافظة أبين ومدينة رداع من محافظة البيضاء.
ومن المؤكد أن ضعف الدولة وهشاشة السلطة المركزية والمحلية أدى إلى حدوث مثل هذه النتوءات والأوضاع الغير طبيعية ولا أتفق مع مايذهب إليه البعض من أن نظام علي عبدالله صالح متحالف مع القاعدة وهو الذي سلم لهم أبين ورداع، قد يكون هناك نوع من التواطؤ وتسهيل مهمة السيطرة باعتبار أن سقوط المناطق بيد الجماعات المسلحة في صالح النظام السابق، وبالإضافة إلى ذلك قد يكون هناك اختراقاً أمنياً لتنظيم القاعدة، ولكن وفي كل الأحوال، فإن لهذا التنظيم وجوداً حقيقياً وحضوراً ميدانياً وامتداداً داخلياً وخارجياً وإطاراً فكرياً ونسقاً ثقافياً نختلف معه ولا نوافق عليه، وأقصد بالتحديد مسألة تكفير الحكام والأنظمة والخروج المسلح والعمل العسكري، وندعوهم للقيام بعملية مراجعة شاملة وإعادة النظر في الأفكار المغالية والسلوكيات المتطرفة، والاندماج في المجتمع والمشاركة في العمل السياسي والسلمي، وخاصة أننا في بداية مرحلة جديدة وعهد جديد.
أما قضية تحكيم الشريعة الإسلامية وأنها مصدر جميع القوانين والتشريعات، فهذا مطلب غالبية اليمنيين إذا لم يكن مطلب الجميع، باستثناءات بسيطة وأعداد قليلة ترفض الشريعة وكونها مصدر جميع التشريعات وهذا موقف شاذ وغير معتبر، ذلك أن المادة الثالثة من الدستور اليمني غير قابلة للحذف والتعديل وأنها من الثوابت المتفق عليها، ويبقى بعد ذلك مجال التطبيق والتقنين وهذا أمر يقع على عاتق الجميع، مما يعني أن الحكم بما أنزل الله وتحكيم الشريعة لا ينبغي أن يقتصر على زنجبار و"وقار" ورداع، وأن إسقاط المدن والمناطق لا يؤدي إلى تحكيم شرع الله وإنما يؤدي إلى تقسيم بلاد الله وإشاعة الفوضى وإحداث الفتنة في أرض الله، والشريعة قائمة على المصالح والمقاصد وتحقيق سعادة الناس وتوفير العدل والأمن والاستقرار.
يقول الإمام ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل".
ويقول الإمام ابن تيمية: "إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها".
ويقول العلامة علال الفارسي: "المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في القول والعمل".
//////////
عبد الفتاح البتول
وقفات هادئة مع "أنصار الشريعة"!! 2166