التشكيك في وطنية الناس أمر لا يدعو للرثاء بقدر ما يدعو للتفكير فيمن بيده صك الوطنية، يمنحه لمن يشاء ويحجبه عمن يشاء؟ الوطنية ليست منحة بيد الحاكم، لأن كماً هائلاً من الحكام خانوا أوطانهم وانتهكوا سيادة بلدانهم وشعوبهم، بددوا الثروات وشردوا العباد، تنازلوا عن حقوق الناس وعن مصالحهم، باعوا أرض الوطن.. الوطنية أيضاً ليست بيد المعارضة، لأن كثيراً من التيارات المعارضة تتحالف مع الشيطان في سبيل الوصول إلى الحكم والغاية تبرر الوسيلة!!
الوطنية قبل عقود مضت كانت بيد أجهزة الأمن والمخبرين والأقلية التي تحكم.. كانوا يسمون الآخرين بمسميات لا تخلو من الاتهام والتخوين، يخضعون الناس للمراقبة، والتجسس والاعتقال وربما إلى نهايات مأساوية.
الوطنية بأشراطات تحددها الأقلية، تبدو كبنود متغيرة لا أرضية لها ولا تستند إلى شيء، هي ليست وطنية بل سياجاً وهمياً يضعه المستفيدون من خيرات الوطن لتهميش الآخر وإبعاده وهذه قمة الخيانة.
هناك خلط بين الوطن والحاكم، والوطن والحزب، الوطن والقبيلة، الوطن والمصالح.. تضخم الذات الحاكمة يقود إلى الفردية والتأليه لدرجة أن الحاكم يعتقد أنه هو الوطن، هو الثورة، هو الحزب هو كل شيء وأن أي مساس بذاته هو مساس بالوطن والثورة والثوابت الوطنية كلها.. هذا المرض كان وما يزال،حيث تعتبر الكتابة عن الحاكم جريمة ونقده جرم أكبر إذ كيف تكتب عن الوطن ورمزه؟ كيف تنتقد الحاكم وهو الذي يمثل الثوابت الوطنية والثورة العظيمة؟ لذلك لم نستغرب عندما قال البعض أو وصف البعض الرئيس/ علي عبدالله صالح بأنه ولي من الأولياء الصالحين، ليس هذا فحسب بل أحدهم قال عنه إنه "نبي"!.. الوطنية للطبقة الحاكمة والتخوين تهمة تلصق بكل من يخالفهم أو يعارضهم.
وفي هذا السياق تحاك العديد من العناوين الاتهامية من تخابر مع جهات أجنبية إلى تلقي أموال، إلى السعي لقلب نظام الحكم "قد يكون نظاماً فاسداً" إلى الإساءة للوطن وللرموز الوطنية أو الثوابت الوطنية و.....الخ".. من التهم والعناوين التي بموجبها ينزع صك الغفران عن المواطن، أهله، جيرانه، وأصدقائه..
يعتقد الكثيرون في الطبقة الحاكمة أن من دونهم في التراتب الاجتماعي أو السياسي أو القبلي هم أقل منهم وطنية ولا يؤتمنون على الوطن ومصالحه!.
الوطن للجميع وحبه والإخلاص له لا يتحدد بموقع المرء كأن يكون وزيراً أو رئيساً أو ابن سفير أو رجل أعمال أو فقير ومعدم.. الوطنية تنبع من الضمائر الحية التي تعشق هذا الوطن وتتفانى في حبه، فكيف تستقيم الوطنية مع الفساد؟ كيف تمنح نفسك صك الوطنية وتنزعه عن آخرين مخلصين لوطنهم ولمن حولهم..؟ كيف تقرر أن "س" أو "ص" من البشر لا يؤتمن على الوطن؟ أو أنه لا يستحق تحمل مسؤوليات الخوف المفزع من الشرفاء والأتقياء الذين لم تتلوث أياديهم بالدماء أو بالأموال الحرام.
محاسن الحواتي
صك الوطنية بيد من؟ 1918