ليس من صلة تذكر بين أوباما الرئيس الساكن البيت الأبيض، وأوباما الناشط الاجتماعي السابق في صفوف ملايين الأميركيين الباحثين عن العدالة الاجتماعية، وفي مقدمتها تأمين الخدمات الصحية للمرضى والعمل المناسب للعاطلين.
أوباما الجديد يختلف كثيراً عن أوباما القديم، هكذا تقول الأغلبية من الأمريكيين الذين كانوا قد التفّوا حول أوباما واندفعوا للتصويت له بوصفه المرشح الوحيد الذي يمكن له إذا ما وصل إلى البيت الأبيض، أن يحقق تلك المطالب التي كانت قد أصبحت ضرورية لمجتمع يعاني الفقر، وتتسع فيه مساحة البطالة، ولم تعد مظاهر الرفاه ولافتات التقدم العلمي والصناعي قادرة على أن تخفي شيئاً من عورات الفقر والمرض وما يصاحبهما من تذمر وسخط وشعور حاد بنفاد الصبر.
لقد بات أنصار الأمس هم خصوم اليوم بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما، والذين كانوا ينادون به منقذاً صاروا يرون فيه “مجرماً” ويطالبون بمحاكمته.
يأتي ذلك في الوقت الذي يبحث فيه عن مساندين وأنصار من بين القوى المعادية للتطلعات الشعبية، ليجتاز بهم هوة الانتخابات المقبلة ويحافظ على البقاء والاستمتاع بالنوم اللذيذ في البيت الأبيض، وتكاد محاولاته البائسة تبدي أنه لم يعد ذلك الإنسان الذكي اللمّاح والطموح إلى التغيير، بل لقد صار حقاً إنساناً آخر يجيد المساومة على حقوق المرضى، وعلى مطالب المنظمات العمالية، وكأنه بذلك قادر على إيجاد البديل الداعم من صفوف الشركات والمؤسسات الاحتكارية التي أجادت لسنوات طويلة امتصاص دم الأغلبية في تكوين الثروات الأسطورية والتحايل متجدد الأساليب لإرغام النظام على تخفيض الضرائب.
لقد وعد أوباما في برنامجه الانتخابي أن يقف إلى جانب الفقراء من أبناء الشعب الأميركي، وأن يعمل على تحقيق مبدأ المساواة الاجتماعية وتشغيل ملايين العاطلين، لكن ذلك البرنامج الانتخابي تبخّر، ونجحت الضغوط الرأسمالية في نسف كل المحاولات الهادفة إلى الإصلاحات، كما نجح عمالقة الحزب الجمهوري وأثرياؤه في أن ينتزعوا عن طريق المراوغة تارة والتهديد تارة أخرى، أخطر التنازلات، وتجميد إن لم يكن شطب أهم ما كان برنامج أوباما قد اشتمل عليه.
ويرى الأميركيون أنه لم يعد هناك من فارق بين برنامج الديمقراطيين والجمهوريين، ولا بين أوباما وآخر رئيس كان قد أخذ مكانه في البيت الأبيض وسط حفاوة شعبية منقطعة النظير، واستقبال عالمي غير مسبوق.
ولن نعرّج هنا في هذه الإشارات إلى الدور السلبي والضار الذي ارتكبه البيت الأبيض في القضايا الخارجية خلال الشهور الماضية، فهو أكثر وضوحاً في الارتداد والسقوط، وفي مجافاة الحقائق الدولية، والتنكر لما سبق إعلانه في برنامج الترشيح، وفي خطابات ما بعد الفوز الساحق، فقد سادت أخيراً خيبة أمل في العالم أجمع، وإن كانت هذه الخيبة تبدو أقسى ما تكون في العالم الإسلامي والوطن العربي خاصة، حيث الأوضاع تزداد سخونة واشتعالاً، لاسيما في فلسطين المحتلة بعد أن أغمض البيت الأبيض عينيه عما جرى ويجري، ليس في غزة وحدها، وإنما في الضفة أيضاً وعلى مستوى الأرض المحتلة كاملة.
والغريب، بل الفاجع أن الناطق باسم البيت الأبيض صار وكأنه ناطق باسم الكيان الصهيوني، يبرّر أحداث العنف، ويهدد باتخاذ مواقف شديدة العداء لكل أحلام الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته المشروعة.
× نقلاً عن الخليج الإماراتية