بعد مخاض حاد، خرجت المبادرة الخليجية في شأن الأزمة اليمنية من دوامة الاحتمالات والتنبؤات والتقديرات التي دارت في شأن مصير وجودها.
العملية الأقرب إلى إعادة “ولادة” جاءت لحظة توقيع الرئيس علي عبدالله صالح على المبادرة بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على إعلانها، جرت “الولادة” بعملية دبلوماسية “جادة” من أطراف إقليمية ودولية، ومنها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وتمت في مشهد بروتوكولي بالقصر الملكي في العاصمة السعودية الرياض، برعاية العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بحضور يمني لطرفي الأزمة التي استهدفتها المبادرة، أي السلطة من جهة والمعارضة السياسية الممثلة باللقاء المشترك وحلفائه من جهة ثانية، وبمشاركة أغلبية وزراء خارجية الدول المتبنية للمبادرة وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وحضور ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
الحدث قوبل بترحيب دولي لافت، لكنه يمنياً انفتح على ردود الأفعال المختلفة، فهناك استياء “مكتوم” داخل السلطة بأجهزتها ومؤسساتها وحزبها، وهناك رفض بمشاعر غاضبة وأصوات عالية من قبل الجماهير المنتفضة والثائرة وفي طليعتها الشباب الذين يرون المبادرة “التفافاً على مطالبهم في التغيير”، وأنها “لا تراعي تضحياتهم، فضلاً عن أنها تحمي القتلة ومرتكبي جرائم الحرب”، وبين هؤلاء وأولئك هناك المتفائلون بحذر والعازفون في التعبير عن آرائهم سلباً وإيجاباً لا استسلام بل لصدمات المفارقة بين الأقوال والأفعال التي عانوها وما آلت إليه الأوضاع من انهيار.
الخلاف في هذا الشأن قائم ولا أحد يستطيع أن يتنبأ أو يقرر سلفاً طبيعة مجرياته ونتائجه، قد يكون معقوداً من جانب على حوار المعارضة مع الشباب، لكنه سيكون من جانب آخر رهن تعاطي السلطة وحزبها مع المبادرة بمسؤولية والتزام.
ما ليس عليه خلاف، أن المبادرة غدت حقيقة قائمة لا تعبر عنها ردود الأفعال المختلفة وحسب بل البدء بتنفيذها بإصدار نائب الرئيس عبدربه منصور هادي القرار الرئاسي بدعوة المواطنين للانتخابات الرئاسية المبكرة في 21 فبراير/شباط القادم، والقرار الرئاسي بتكليف محمد سالم باسندوة بتشكيل حكومة وفاق وطني، وكلا القرارين استنداً إلى المبادرة وآلياتها التنفيذية، وهما أول قرارين رئاسيين يصدران من صنعاء دون توقيع الرئيس علي عبدالله صالح منذ 33 عاماً.
الإشارة هكذا لا تعني الدعوة إلى قبول هذه "الحقيقة"، بل الأمر الأساس هو الوقوف على طبيعتها، لسنا بصدد تناول مخاض الولادة الذي يمكن القول إنه مر بحالة ازدواجية ولأن الأولويات بالنسبة للمبادرة محددة والمصاعب والتحديات، ماثلة فإنه ما زال غائباً ومغيباً حتى الآن متطلبات الانتقال الصادق والجدي والفعلي من قطيعة الأزمة إلى وفاق المبادرة.
لعل الأبرز في هذا الشأن أن السلطة تعاملت مع المعارضة السياسية ممثلة باللقاء المشترك وحلفائه بغطرسة وتجاهل، وهي قبل أن تلجأ، وفي سقوط أخلاقي، إلى بلاطجة الشوارع للنيل الأعمى من الجماهير المنتفضة بغضب القهر وإرادة التغيير، كانت أطلقت العنان لبلاطجة السياسة والإعلام في حملات تسميم للحياة السياسية ترتب عليها قطيعة واسعة وسحيقة من الأحقاد والانتقام والكراهية؛ فهل على هذه التركة يمكن انطلاق “عربة” وفاق الفترة الانتقالية بحسب المبادرة الخليجية؟
مع أن طرفي الأزمة التقيا على استخدام المبادرة كل ضد الآخر، إلا أن أياً منهما لم يقدم على خطوة في شأن تنفيذها ولو من باب الاحتمال السياسي، لتأتي المبادرة عند التوقيع عليها وآلياتها، وبعد مرور سبعة أشهر من إطلاقها مجهولة من الرأي العام الوطني وغير معروفة بما فيه الكفاية في القواعد الحزبية، ومرفوضة بشدة من الفعاليات الشبابية الناشطة في ساحات الثورة الشعبية الجماهيرية السلمية، وهذه في الإجمال وفرت المناخ للعبة خلط الأوراق التي يراد لها أن تكون رائجة ورابحة للوقيعة بين أحزاب المشترك وشباب الثورة.
والسابقة التي سجلت في هذه العملية أن طرفي الأزمة السياسية، السلطة والمعارضة معاً لم يتوصلا إلى اتفاق في شأن المبادرة الخليجية، بل وافقا على المبادرة، وأدار ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر في ما بينهما التداولات والاتفاقات حول الآلية التنفيذية لها.
في نظر البعض قد يكون هذا المؤشر الإيجابي الوحيد في شأن مصير المبادرة ولهؤلاء تفسيرهم من أن إعلان اتفاق يمني، إنذار بكارثة حين يكون أحد أطرافها في نزعة استئثارية، وفي انغلاق تجاه رحابة الشراكة التي لا تعني تقاسم المناصب والمغانم، وإنما شراكة المسؤولية في استقلال الوطن وصون سيادته وحرية المواطن وضمان كامل حقوقه، وبعد ذلك لكل خياره واتجاهه.
على أن خطر الألغام قد يأتي انفجارها من ممارسات وتعامل تحت مظلة الوفاق، وهذا محذور جدي من مراكز القوى العسكرية والأمنية والإقطاعية المشيخية وطابور الفساد والإفساد وهذه مجتمعة مصالحها في ما هو سائد.
وعلى ذكر الفساد هناك ما يمكن أن يشار إليه بالبنان، إنها القصور الضخمة التي تتصدرها لوحات محفورة بعبارة “هذا من فضل ربي”؛ فيما الأغلب منها يصح أن يعاد نسبها إلى “هذا من فضل نهبي”، وهذا التصويب هو الصائب.
نقلاً عن الخليج الإماراتية