هكذا قالها صديقي عندما زرته في بيته في ربوة المتضررين محافظة حضرموت ثالث أيام العيد، صديقي المغترب بنفس المحافظة التي أنا أعمل فيها، نعم قالها بصوت خافت بعدما رفع بصره إلى السماء والدمعة تسيل على الخدين وحسرات التناهيد تنبعث من صدره.. قال إنها المرة الأولي في حياتي التي أقضي فيها عيد الأضحى بعيداً عن مدينتي الجميلة وعن أهلي وأصحابي وأمي الغالية, آه آه لم أعد أحتمل الموقف ..آه كل سنة مثل هذه الأيام أنا معتاد على زيارة أهلي وأقربائي وأحمل لهم الهدايا والجعالات والعيديات إلا هذا العيد.
الآن سيكون الكبير قبل الصغير منتظراً لي ومتشوقاً بلهفة إلي ولمعايدتي لقد اعتادوا عليّ كل سنة في مثل هذه الأيام ..
مع عدم سفري سينقطع كل ما كنت أعطيهم من هدايا وجعالات وعيديات العيد، الله يقطع من كان السبب ..
إنها عدة أسباب منعتني من السفر إلى مدينتي الحبيبة تعز منها:
1ـ شحة السيولة والتي هي معدومة عند كل شخص ينتمي إلى اليمن، برغم أنني رجل أعمال هنا، ولكن أين الأعمال.
2ـ غلاء المواصلات وارتفاع إيجارات التنقل وغلاء البترول.
3ـ مشقة السفر وخطورته من المتقطعين، الطريق بعدت ولم تعد آمنة.
4ـ مدينتي الحبيبة لم تعد كما كانت جميلة وآمنة لقد شوهوا جمالها وأحرقوها بالدبابات والمدفعيات وزرعوا فيها الخوف والرعب.
5ـ أصدقائي وأحبائي لم يعودوا كما كانوا، البعض مات شهيداً في ساحة التغيير وهو يطالب بالحرية والتخلص من الديكتاتورية، والبعض مات شهيداً وهو آمن في بيته يلهوا ويلعب بين أطفاله.. وربما كان نائماً في سبات عميق، والبعض مات ضميره وهو يدافع عن نظام علي وأولاده.
6ـ أنا شخص أحب الهدوء والسلام وأعشق الأمن والأمان، لكن مدينتي الآمنة والمسالمة لم تعد كما كانت لقد سلبوها وخربوها قاتلهم الله، وجعلوها عارية لا ماء ولا كهرباء، أشعلوها بالدبابات والمدافع والهاون والرصاصات الخارقة الحارقة وكأنهم ينفذون وعد الرئيس بعام 2006م عندما قال سيشعلها بالطاقة النووية، نعم لقد أشعلها بالكيماوي والنووي، نعم أحرقها، أحرقه الله.
وبدل أن يحل مشكلة المياه في تعز أغرقها بالدم والدمع، لقد خلط الدمع بالدم وهذه هي تحلية تعز، فهو الآن يحلل، يقتل، يرمل، ييتم، يقتل الشباب لإنهاء البطالة.
ثم مسك بيدي وقال لا تحزن قريباً بإذن الله سننتصر بإذن الله سنسافر، لكل ظالم نهاية، سأسافر بعد الثورة وهذه المرة سآخذك معي، ثم ابتسم وقال إنه عيد بطعم المر.
عبدالباسط علي الزريعي
عيد بطعم المر 1610