لاشك إن الجميع أصبح يدرك مدى المؤامرة التي تتعرض لها محافظة أبين وتحويلها المتعمد إلى ساحة صراع وأداة تخدم أهداف النظام في ظل الثورة الشعبية التي تشهدها بلادنا لأكثر من ثمانية أشهر من انطلاقها، فخلال الفترة الماضية منذ تسليم عاصمتها زنجبار لما بات يعرف بأنصار الشريعة الإسلامية في 27 مايو اجتهد الكثيرون لتحليل الواقعة في تناولاتهم لشدة الصدمة النفسية وأجواء الحزن التي خيمت على نفوس أبناء المحافظة حتى وصل الأمر إلى الخلط بين الصواب والخطأ وعدم التمييز بين المسئول الحريص والمتهاون..لكن الأحداث والشواهد والوقائع التي برزت عقب سقوط زنجبار تؤكد أن المؤامرة من جهات عليا...وعملت على تضليل بعض المسئولين، خصوصاً قيادة السلطة المحلية ووقعوا ضحية التآمر من دون علمهم بالمؤامرة وإبعادها– وإلا كان لهم موقف آخر وهذه الحقيقة التي بدأت تتكشف وقائعها وتؤكدها الشواهد وسيثبتها التاريخ مستقبلا عندما تكون الظروف مواتية.
هذا ليس دفاعاً عن احد ولكنها الحقيقة التي تفرض علينا اليوم التعاطي معها لتكون حاضرة في تناولاتنا بعد تشكيك البعض فيها لضعف الأدلة والقرائن، ولعدم التقاطنا واهتمامنا بأبسط الحوادث العابرة والتركيز عليها لتقودنا إلى عمق الحقيقة، ومن تلك الحوادث انهُ ذات يوم وبعد أسابيع من سقوط زنجبار رد عليه احد المسئولين الأمنيين الكبار بعد انتقادي للأحداث التي تمر بها أبين بأنها جريمة سياسية وجنائية وسيحاسب عليها المسئولون في المحافظة وقال"نعم هذه جريمة ولكنها اكبر من سلطات ومسئولي المحافظة واكبر وأعلى من الزوعري ". في تلك الأيام كنت اعتقد أن ما قاله الرجل هراء ومجرد تبرير للخطأ لكن مع تتابع الأحداث وحصار الألوية المقاتلة وإصدار الأوامر لوقف تقدمها وانسحابها تارة وإعلانها الانتصار تارةً أخرى كما ما حصل في 11سبتمبر دون علم قيادة المحافظة بما يجري إنما يبرهن بقوة إن ما يدور في أبين جريمة يراد بها تحقيق أهداف سياسية للحاكم ولو على دماء الشهداء ويتأكد لنا مجدداً أن الأمر يدار من الأعلى، لاسيما بعد إن تكشفت حقائق مؤلمة ليس ضحيتها الجنود والمدنيين الأبرياء، بل طالت بعض المسئولين وإلحاق بهم الضرر المعنوي سبب الاتهامات الباطلة وفي مقدمتهم اللواء الزوعري الذي عيُن بأسابيع قبل سقوط زنجبار وعانى الأمرين من القائمين على الأجهزة التنفيذية الأمنية والمتنفذين في المحافظة أعاقوا خططه لإحكام سيطرته على المحافظة التي وصل إليها وأجزاء كبيرة منها تحت سيطرة الجماعات المسلحة في لودر ومودية وجعار والسلاسل الجبلية والمحفد، فالبعض منهم كانت مواقفه بدافع العفوية وللتفيد والبعض الآخر كانت مواقفه نابعة من خلق مقدمات وتهيئة الظروف والمناخ لإسقاط المحافظة، خصوصاً تلك الأجهزة التي لا تنصاع إلا للأوامر العليا، فاليوم عندما نرى المحافظ النازح في عدن وهو يعالج قضايا أبناء المحافظة بروح وطنية بعيدة عن السياسة وإنما تنطلق من الحفاظ على مصالح أبناء أبين ومحافظهم تفرض علينا أن نراجع حساباتنا.
احد المواطنين الرعاة القادمين من المديريات النائية بعد انقطع المسافات الطويلة إلى عدن عبر (الطريق الدائري محافظة البيضاء ) لمقابلة المحافظ ليعرض عليه مـأساته الناتجة عن تسبب قذيفة عن طريق الخطأ بقتل ما يملك من مواشي يعتمد عليها كمصدر وحيد للدخل والعيش ..قال انهُ لمس تفاعلاً مسئولاً من اللواء الزوعري مع مأساته وإذا به يردد ويصرخ عند مصادفتي له وهو يستعد للعودة إلى قريته في فرزة الهاشمي للأجرة ويقول : " الحقيقة الغائبة لو كان تعاونوا معه المسئولون عند وصوله المحافظة لما حدث ما حدث ولم نكن على هذا الوضع ".... ليست هذه المرة الأولى التي نسمع وتتردد على مسامعنا مثل هذه العبارات والثناء بها الراعي والتي تؤكد بالفعل إن أبين غير أي محافظة أخرى فجميع محافظيها السابقين لم يستطيعوا السيطرة والإحكام عليها إلا بعد مرور أعوام توليهم السلطة فيها بسبب لوبي الفساد المتهاون والمتواطئ لتدمير المحافظة ومستقبل أبنائها مقابل المصالح الآنية والفيد والتفيد والثراء ولهؤلاء نقول لهم إن التاريخ لا يرحم.
محمد المسودي الفضلي
أبين والحقيقة الغائبة 1990