مجلس التعاون الخليجي له مصالح إستراتيجية في اليمن؛ فاضطراب اليمن يعني بشكل ما اضطراب الخليج، واستقراره يعود بالفائدة على دول الخليج، إلا أن المجلس لم يحدد بعدُ على أي وجه يريد أن يتعامل مع اليمن، فعين على الماضي، وعين على المستقبل، الرؤية بهذا الشكل تصبح حوراء من جانبها السلبي وليس الإيجابي. علي صالح هو ماضي اليمن، والقوى الجديدة في اليمن هي مستقبله، محاولة إرضاء الطرفين في الوقت نفسه بجانب إطالته للنزاع، خسارة للاثنين معاً.
والتصور الاستراتيجي الذي يجب أن يتخذه مجلس التعاون الخليجي هو الانحياز إلى المستقبل، لقد استخدمت كل الأوراق الاسترضائية مع الماضي، أؤكد لعلي صالح ومحازبيه أنه لا هو ولا عائلته ولا مصالحه الشخصية سوف تُمس، ومع ذلك ما زال الرجل يناور ويداور ويعيش في جو افتراضي لا علاقة له بالواقع، على افتراض أن الآخرين سوف يتعبون من الصراخ في الشوارع، وفي النهاية سوف يبقى هو اللاعب الأهم في اليمن، ذلك افتراض لا تقوم عليه حقائق عقلية، حتى لو كان هناك جزء من المجتمع اليمني السياسي يؤيد علي صالح أو ما بقي فيه من رمق.
لا أحد ينكر أن لعلي صالح محازبين في اليمن، ويمكن تصنيفهم بعدد من التصنيفات، فمعه المستفيدون من نظامه، ومعه أيضاً طائفة يمنية تريد أن يستقر اليمن ولا تعرف شخصاً أو نظاماً غير نظام علي صالح.. لنفرض أن هذه الشريحة هي ثلث المجتمع اليمني السياسي، إلا أن الثلثين الأخيرين يريدان التغيير، ليس بالضرورة أن كل أطراف هذين الثلثين متفقون على ما يريدون لمستقبل اليمن، إلا أن اتفاقهم على رحيل النظام، وقد أصبح لهم أشهر وهم صامدون في مكانهم ومستمرون في مطالبهم على الرغم من القتل، يعني أن النظام السابق قد شاخ، كما يعني أن الاستمرار في العناد يقود، بلا شك، إلى تفكيك اليمن كما نعرفه.
يعني هذا التحليل وجوب الانحياز والاصطفاف إلى قوى وأفكار المستقبل، هذا المستقبل من الواضح أن العالم يريد أن يتبناه، وما منحُ أكبر جائزة دولية في السلام لناشطة يمنية، هي توكل كرمان، إلا إشارة مهمة وبالغة الدقة إلى أين يقف العالم من الصراع اليمني، إذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فإن عدداً من المؤشرات مقبلة من العواصم المهمة في العالم، كلها تريد للرئيس اليمني أن يرحل.
ربما هو سوف يرحل في نهاية المطاف، إلا أن التركيبة النفسية لعلي صالح مثله مثل القذافي وآخرين، استمرأوا السلطة، ويريدون أن يتركوها في أيدٍ تؤكد أنهم باقون بسياساتهم أو بإمكانية رجوعهم من جديد في المستقبل، وهو خيار غير متاح، من الصعب على الديكتاتور قراءة الأحداث قراءةً موضوعية، هو دائماً يعيش في وهم أو تصور افتراضي يغذيه مَن حوله بالكذب والتدجيل عليه.
لنا في التاريخ المعاصر الكثير من الشواهد، لعل آخر هذه الشواهد طلب القذافي من الليبيين، منذ أيام، الخروج بالملايين في مظاهرة سلمية ضد القوات الأجنبية.. صدور مثل هذا النداء يؤكد أنه صدر من شخص لا يعرف ما يدور حوله.
وفي لحظة تاريخية مشابهة، ينقل لنا آخر سفير بريطاني في البلاط الشاهنشاهي، أن الملك/ محمد رضا بهلوي كان يسأل السفير في آخر أيام حكمه: هل هذه الجماهير في الشارع تهتف بحياتي وتطالب باستمرار حكمي؟.
يفقد البعض بعد فترة من التربع على كرسي الحكم علاقتهم بالواقع تماماً، وربما هذا ما يحدث مع علي صالح اليوم، فهو ما زال متشبثاً بالكرسي على الرغم من هدير الشارع اليمني الصاخب حوله.
اليمن بالطبع أكبر من صالح، وأهم من حكمه، والخطورة إذا ظل مجلس التعاون يتعامل مع الموضوع الخطير بدبلوماسية رقيقة، وكأن الأمر هو عملية إقناع طويلة المدى.
الأفضل أن يكون للمجلس موقف واضح، يصطف فيه مع الشارع اليمني، وأيضا يقول بوضوح: إن الوقت الافتراضي لحكم علي صالح الذي لم يترك جزءا من الأرض إلا واتهمه بالضلوع في مؤامرة على اليمن قد انتهى، ولن يضر مجلس التعاون إذا جاءت تهمة من علي صالح؛ لأنه ذاهب، أما الشعب اليمني فهو الباقي.
آخر الكلام:
تفسير الأحلام أصبح مهنة للبعض في الفضاء الاجتماعي العربي الذي يعاني تخلفاً شديداً، ويأتي البعض ليتكسب من هذا التخلف، عن طريق بيع أوهام في الهواء للعامة.. الفتوى التي صدرت بتحريم الركون إلى مثل هذه الأفعال فتوى متحضرة.
نقلاً عن الشرق الأوسط