ليس ضريح عيدروس المزار في مدينة عدن، وإنما عيدروس دحمان الرجل ذو الثوب الأبيض والرأس الأبيض والكف البيضاء الممدودة لمصافحة الجميع، والقلب الأبيض الذي اتسع للكثير من الأصدقاء وغير الأصدقاء، ذلك الرجل الفاقع البياض كتمثال من الثلج، ما يعكس نفسيته البيضاء الجميلة.
كان مجلسه هو المكان الذي يجتمع ويرتاح فيه كل ألوان الطيف في المجتمع من المواطنين –كباراً وصغاراً- والتجار والمثقفين والمشائخ والأطباء والعمال، على مختلف تخصصاتهم، لم يفرق يوماً بين غني وفقير، كلهم جميعاً أصدقاء تجمعهم محبته وأخلاقه الكريمة ويتسع لهم جميعاً قلبه الأبيض الكبير.
ما كنا يوماً نتصور غيابه لكثرة حضوره وقد صدمنا جميعاً بخبر وفاته وانتقاله إلى جوار ربه.
لقب بالولي لدماثة أخلاقه وتسامحه وحبه للخير، ولقب بالبابا ليس بابا الفاتيكان ولا بابا شنوده، ولكن الأب الحنون الذي ينثر محبته بين الجميع كسحابة تمطر على من بحضرته فرحة وسعادة وسروراً، يشعرون خلالها بأنهم أطفال يلعبون في رعاية أباهم الحنون.
ولقبه جيل آبائه بحمامة المسجد لكثرة حضوره وتواجده في جامع حيهم وكان ذلك قبل عشرات السنين وهو ما يزال يافعاً فتياً يعيش في مدينة الحديدة المدينة التي تربى وترعرع فيها.
حضر في تشييع جنازة المرحوم حشود غفيرة وهم من حالفهم الحظ وعلموا بوفاته قبل التشييع، الخبر الذي تناقله أصدقائه كخبر صاعق ومؤثر وربما زاد من تأثير هذا الخبر على أنفسنا أن كثيراً من الأصدقاء على تواصل دائم سواء عن طريق اللقاء المباشر أو عبر الهاتف لم يسمعوا أو يشعروا بأنه يعاني من وعكة صحية، ولكن فجأة سمعنا الخبر المزعج بوفاته –رحمه الله- مات الرجل بصمت كما عمل طوال حياته بصمت، لم يتسبب يوماً في إزعاج أي من أصدقائه أو غير أصدقائه لا في حياته ولا في مماته، كالنسمة يعطر كل من عرفه بعبير الصدق والوفاء والإخلاص.
يوم وفاته تناول القات مع بعض الأصدقاء –حسب العادة- وبعد ذهابهم صلى صلاة العشاء ثم عاد لينام النومة الأبدية وسلم روحه إلى بارئها دون عناء، وأعلن بذلك نهاية حياة حافلة بالعطاء للوطن، خدم فيها لأكثر من 40 عاماً ضابطاً في القوات المسلحة، تقلد خلالها كثيراً من المناصب القيادية وعمل خلالها دون كلل أو ملل، دون تذمر، ودون سعي وراء المناصب والمكاسب التي حصل عليها غيره من المستلقين والمتمصلحين والمهرجين دون وجه حق، فأثروا وبنوا وعلوا وشيدوا القصور وأسسوا الشركات وكنزوا الأموال على مسمع ومرأى من ذلك الرجل المعطاء وهو يعلم علم اليقين من هم وما تحويه عقولهم الخاوية ومع ذلك ظل يعمل بصمت، ماضياً في حياته الهادئة القنوعة.. ومات شريفاً، عفيفاً، لا يملك شيئاً من المال، ولكنه يملك ما هو أكثر من المال، يملك أخلاقه ودينه ومحبة أصدقائه واحترامهم وإجلالهم له وترحمهم عليه ليلاً ونهاراً.
رحم الله العميد ركن بحري متقاعد/ عيدروس دحمان وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعـــون.
عبدالله قائد الخاوي
عيدروس الولي 1765